مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون 55 ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون 56}

صفحة 3746 - الجزء 6

  إما على جحد الضرورة، أو على أن في الضروريات ما يجوز اختلاف العقلاء فيه، كالعلم بأن هذا زيد الذي شاهدناه أمس، ونحو ذلك مما لا يعد من كمال العقل، وإما لأنهم علموه ضرورة ولم يعلموا بعلمهم؛ لتمكن عقائدهم وتنميق علمائهم للعبارات في حكاية مذاهبهم، ولهم مداخل وصناعة قوية في التمويه وزخرفة القول.

  هذا، وأما غير أبي الحسين فاستدلوا بأنا وجدنا الإدراك يدور على ذلك ثبوتًا وانتفاء.

  الأصل الثالث: أن الله تعالى ليس كذلك، أي ليس مقابلًا ولا في حكمه، وقد تقدم الكلام عليه في مسألة نفي التشبيه. وقد أورد على هذا الدليل اعتراضات:

  الاعتراض الأول: أن هذا منتقض بإدراك الباري تعالى للمدركات، وليست مقابلة ولا في حكم المقابلة، فإذا صح منه ذلك من دون مقابلة صح منا من دونها، فنراه وإن لم يكن ثم مقابلة.

  الجواب: أن هذا جمع من غير علة، ثم إنا قد احترزنا عن ذلك بقولنا: إن الرائي بالحاسة ... إلخ، والباري تعالى ليس بذي حاسة، فصح منه أنه يرى ما ليس مقابلًا. لا يقال: لا نسلم أن الرؤية بالحاسة هي العلة في اشتراط المقابلة؛ لجواز أن تكون العلة في ذلك كون الرائي والمرئي متحيزين، فوجب تحاذيهما، وإذا فقد التحيز في أحدهما انتفت العلة، فلا تشترط المقابلة؛ لأنا نقول: تلك العلة لا دليل عليها، وعلتنا قد ثبتت إما بالضرورة، أو بالدوران، كما مر، والتجويز لا يقاوم الظن