قوله تعالى: {وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون 55 ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون 56}
  فضلًا عن العلم. وقال القرشي في جواب هذا السؤال: إن العقول إنما قضت بوجوب المقابلة من حيث إن الرائي جسم، ويستحيل أن يكون الجسم رائيًا وليس بمقابل له، والله تعالى ليس بجسم، فيرى لا بمقابلة، بخلاف رؤية أحدنا؛ لأن الرؤية أمر صادر من جهة الرائي، فإذا كان في جهة استحال أن تصدر الرؤية منه إلا إلى ما يقابل تلك الجهة، أو يكون في حكم المقابل لها، وإذا لم يكن الرائي في جهة(١) صح أن يرى ما ليس بمقابل؛ لأنه لا يعقل أن يكون مقابلًا؛ يزيده وضوحًا أن الله يرى الأشياء في جهاتها.
  الاعتراض الثاني: من الجائز أن تكون المقابلة ونحوها بمجرى العادة، أي أجرى الله العادة أنا لا نرى إلا ما كان مقابلًا أو في حكمه، وإذا كان بمجرى العادة جاز خلافه، فيجوز أن يخلق الله فينا رؤية الأجسام والألوان من دون مقابلة، وإذا جاز ذلك فلا مانع من رؤية الباري تعالى من دون مقابلة.
  الجواب: أن ذلك مكابرة، ثم إن الأمور العادية يجب تخلفها كما مر، والمعلوم أن هذا الشرط لم يتخلف، ولو جوزنا ذلك لانفتح باب الجهالة ومخالفة ما علمت بالضرورة فيه الاستحالة، فيجوز أن يكون تحيز الأجسام عند وجودها بالعادة، فيصح تجويز جسم غير متحيز، وأن يجعل الجسم متحيزًا من دون وجود؛ لأن الوجود شرط عادي، وأن يكون اشتراط الحياة في العلم والقدرة عاديًا، فيجوز أن يوجد قادر عالم ليس بحي، وكذلك منافاة الأضداد، فيلزم جواز اجتماعها،
(١) كالباري تعالى. تمت مؤلف.