مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون 55 ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون 56}

صفحة 3748 - الجزء 6

  وهذه اللوازم كلها إنما يلزم على تجويز كون هذه الأشياء بطريق العادة، وليس ذلك بأبعد من تجويز رؤية لا بمقابلة ولا في حكمها.

  الاعتراض الثالث: أن المقابلة إنما هي شرط في رؤية المحدثات، فلا يصح منا أن نرى منها إلا ما كان كذلك، وليست شرطًا في صحة رؤيتنا للباري سبحانه.

  الجواب: أنا قد بينا أن العقول تخيل الرؤية لا بمقابلة ولا نحوها، فمن جوز رؤية الباري لزمه تجويز المقابلة، ومن أحال ذلك فقد أحال الرؤية، ولا يجوز انفصال أحدهما عن الآخر، ويلزم القول بجواز أن يكون الله جسمًا متحيزًا لا في جهة؛ لأن الجهة إنما تجوز على المحدثات. لا يقال: كونه جسمًا يستلزم الجهة؛ لأنا نقول: وكونه مرئيًا يستلزم المقابلة أو ما في حكمها.

  فإن قيل: إنما خصصنا اشتراط المقابلة برؤيتنا للمحدثات دون رؤيتنا للباري تعالى لاختلاف الرؤيتين، فإن ماهية رؤية الغائب وهو الله تعالى إنما هو انكشاف تام، أي ينكشف لِعباده انكشاف القمر ليلة البدر، وأن يحصل لذات العبد بالنسبة إليه تعالى هذا الانكشاف، فالمعبر عنه بالرؤية نسبته إلى ذاته المخصوصة جل وعلا كنسبة الانكشاف المسمى بالأنظار إلى سائر المنظرات، والانكشاف يكون على وقف المكشوف في الاختصاص بجهة وحيز وعدمه. هكذا في المواقف وشرحه.

  قيل: النزاع إنما هو في الإدراك المعلوم لا في الرؤية المخالفة لها