مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون 55 ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون 56}

صفحة 3749 - الجزء 6

  بالحقيقة، المسماة بالانكشاف التام عندكم؛ إذ نقول بذلك، وهو الذي نسميه علمًا ضروريًا، وحينئذٍ يعود الخلاف لفظيًا، لكن ظاهر صنيعكم في الرد والإيراد وتقدير الاحتجاج يأبى ذلك.

  الاعتراض الرابع: أن يقال: قد صح العلم بالباري تعالى من دون مقابلة، فيصح أن نراه كذلك.

  الجواب: أن هذا قياس من دون جامع [......]⁣(⁣١)، ولو كان حكمها واحدًا لصح إدراكنا المدركات مع حصول الموانع، كما نعلمها مع حصولها؛ وأيضًا، العلم يخالف الإدراك، فإنه يتعلق بالمعدوم والموجود، والقديم والمحدث، والإثبات والنفي، وبكل صفة، وحكم الإدراك لا يتعلق إلا ببعض الموجودات، ولا قياس مع وجود الفارق هذا.

  وأما الأدلة السمعية على نفي الرؤية فكثيرة، وستأتي في مواضعها إن شاء الله.

  ومنها هذه الآية؛ إذ لو كان سؤال الرؤية جائزًا لما نزلت بهم العقوبة، وهي الصاعقة التي أخذتهم، كما لم ينزل بهم لما سألوا التنقل من طعام إلى طعام في قوله تعالى: {فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ}⁣[البقرة: ٦١].

  قال أبو الحسين: ما ذكر الله تعالى سؤال الرؤية إلا استعظمه، كما في هذه الآية، فإن الرؤية لو كانت جائزة لكان قولهم: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة كقول أمم الأنبياء: لن نؤمن لك بإحياء ميت، في أنه لا يستعظم ولا تأخذهم الصاعقة، ومثلها قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ} إلى قوله: {فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ ...} الآية [النساء: ١٥٣]


(١) بياض في الأصل، ولعل اللفظة: بينهما.