قوله تعالى: {وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون 55 ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون 56}
  فسمى ذلك ظلمًا وعاقبهم في الحال.
  فإن قيل: أليس الله قد أجرى سؤال إنزال الكتب مجرى الرؤية في كون كل منهما عتوًا، فكما أن إنزال الكتب غير ممتنع في نفسه وكذلك الرؤية؟
  قيل: الظاهر يقتضي امتناعهما، مع ترك العمل به في إنزال الكتب؛ لدليل، فيبقي معمولًا به في الرؤية، ومن ذلك قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا ٢١}[الفرقان] فلو كانت الرؤية جائزة وهي عند مجوزيها من أعظم المنافع لم يكن سؤالها عتوًا؛ لأن من سأل الله نعمة في الدين أو في الدنيا لم يكن عاتيًا، ويجري سؤالهم إياها مجرى من سأل معجزة زائدة.
  قالوا: هذا كله راجع إلى معنى واحد، وهو أن الرؤية لو كانت جائزة لما كان سؤالها منكرًا، واعتمد في ذلك على ضرب الأمثلة بالانتقال من طعام إلى طعام وبزيادة المعجزة، ونقول: لم قلت: لما كان طالب ذلك الممكن غير عات ولا فاعل منكر وجب أن يكون طالب كل ممكن غير عات؟ ولم تعتمد في ذلك إلا على ما ضربته من الأمثلة، والاعتماد عليها في مثل هذا الموضع لا يليق بأهل العلم، كيف والله تعالى ما ذكر الرؤية إلا وذكر معها شيئًا ممكنًا بالاتفا، ق وأثبت صفة العتو على مجموع الأمرين؟! وهذا يدل على أن هذه الصفة ما حصلت لأجل كون المطلوب ممتنعًا، وحينئذ فيقال: السبب في استعظام سؤال الرؤية إما لكونها لا تحصل إلا في الآخرة، فكان