تفسير قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم ت
  المشركين، حتى بلغ من تعظيمهم أن أفرشهم رداءه، وأقعد ÷ عدي بن حاتم على مخدته قبل أن يسلم وقال في حقه: «إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه». فأما تعظيمه لمصلحة خاصة بالمعظم له من تحصيل منفعة دنيوية، أو دفع مضرة في نفسه أو ماله فقال الإمام المهدي: الأقرب أن الشرع لم يبحه لذلك. وأطال في الاحتجاج، وحاصل ما احتج به العمومات الواردة في الزجر عن مودة الكفار والفساق، نحو قوله تعالى: {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ}[الممتحنة: ١]، وقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ ...} إلى قوله: {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ...}[التوبة: ٢٤] الآية، وقوله ÷: «القوا الفساق بوجوه مكفهرة» ونحوها، ثم قال: فلا يخرج من هذا العموم إلا ما خصته دلالة واضحة شرعية، ولم يخصص هذا الوجه بالجواز دلالة، ولا يمكن قياس المصلحة الخاصة على العامة.
  قلت: ولقائل أن يقول: هذه العمومات لا تنافي حسن القول معهم، ومجاملتهم، والتلطف في التوسل إلى نيل الأغراض منهم، ونحو ذلك مما شمله أدلة القائلين بأن قوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}[البقرة: ٨٣] عامة للناس كلهم؛ لأن الذي اقتضته هذه الأدلة هو تحريم مودتهم، والذم على ترك جهادهم، والمشي إليهم لمجرد تعظيمهم، وترك الهجرة من أرضهم؛ وتحريم ذلك مما لا نزاع فيه، إنما النزاع في إظهار التلطف وإلانة القول معهم، والإحسان إليهم، حيث لا مقتضي للإغلاظ ونحوه، وحديث: «القوا الفساق بوجوه مكفهرة» محمول على وجود المقتضي لذلك، لا في كل حال، وفي هذا جمع بين الأدلة؛