مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ثم ت

صفحة 3926 - الجزء 6

  قوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ ٨٨}⁣[البقرة]. قرى غلف بسكون اللام، فقيل: جمع أغلف، وهذه قراءة الجمهور، أي خلقت مغشاة بأغطية لا يصل إليها ما جاء به محمد ÷ ولا تفقهه. مستعار من الأغلف الذي لم يختن. وقيل: هو تخفيف غلُف بضم اللام، وقرئ به جمع غلاف، والمعنى على هذه القراءة أن قلوبنا أوعية للعلم، فنحن مستغنون بما عندنا عن غيره، ولا تتسع قلوبنا لسواه؛ لأن الشيء المغلف لا يتسع غلافه لغيره، أو أوعية للعلوم فلو كان ما جئت به حقًا لقبلته ووعته.

  قال الرازي: واختار المعتزلة الأول، ثم قالوا: هذه الآية تدل على أنه ليس في قلوب الكفار ما لا يمكنهم معه الإيمان، لا غلاف، ولا أكنة، ولا سد؛ إذ لو كان شيء من ذلك لكان هؤلاء اليهود صادقين في قولهم، وكان لا يكذبهم الله بقوله: {بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ}⁣[البقرة: ٨٨] قالوا: وهذا يدل على أن معنى: {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ} ونحوها منع الألطاف، أو تشبيه حالهم في إصرارهم على الكفر بحال المجبور على الكفر، ونظير هذه الآية قوله تعالى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ ...}⁣[فصلت: ٥] الآية.

  قلت: ودليل صحة ما ذهب إليه المعتزلة الإضراب في قوله: {بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ}⁣[البقرة: ٨٨]؛ قال أبو حيان: (بل) للإضراب؛ وليس إضرابًا عن اللفظ المقول؛ لأنه واقع لا محالة فلا يضرب عنه، وإنما الإضراب عن النسبة التي تضمنها