المسألة الخامسة: حكم السحر
  وقال بعض العلماء: هو من الكبائر بالإجماع، وقال: وقد يكون كفرًا، بل معصية كبيرة.
  احتج الأولون بأنه مع هذا الاعتقاد لا يمكنه صدق الأنبياء والرسل؛ إذ لا يعرف النبي من المتنبي، فيحصل التلبيس.
  وأجيب بمنع اللبس؛ ولأن مدعي النبوة كاذبًا لا يجوز من الله تعالى إظهار شيء من ذلك على يديه لئلا يحصل التلبيس، فالمحق يتميز بحصول هذه الأشياء على يديه مع ادعاء النبوة دون المبطل.
  احتجوا ثانيًا بالآية، والاحتجاج بها من وجوه:
  أحدها: قوله {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ}[البقرة: ١٠٢]، وذلك أنه روي أن الشياطين لعنهم الله ادعوا أن سليمان إنما ملك الناس بالسحر، فرد الله تعالى مقالتهم هذه بقوله: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ}[البقرة: ١٠٢]. والمعنى ليس ما اختلقته الشياطين من نسبة السحر إلى سليمان حقًا؛ لأنه كفر، والأنبياء $ منزهون عما هو دون الكفر من المعاصي، فضلًا عن الكفر؛ وهذا يدل على أن السحر كفر على الإطلاق، لا سيما والمسألة قطعية.
  الوجه الثاني: قوله: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ}[البقرة: ١٠٢]، قالوا: فظاهر الآية يقتضي أنهم إنما كفروا لتعليمهم الناس السحر؛ لأن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية، وتعليم ما لا يكون كفرًا لا يوجب الكفر، فصارت الآية دالة على أن تعليم السحر كفر، وعلى أن السحر كفر. وإنما احتجوا بها على وجه آخر، وهو أن قوله: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ}[البقرة: ١٠٢] بدل من قوله: {كَفَرُوا}.