مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعل

صفحة 3956 - الجزء 6

  وأجيب بأنا لا نسلم أن تعليمهم الناس علة في كفرهم، بل الظاهر أن قوله: يعلمون الناس السحر جملة مستأنفة، أخبر عنهم بذلك إيذانًا بأنهم لتماديهم في المعاصي وانهماكهم فيها لم يكتفوا بمعصية الكفر، بل أضافوا إليها كبيرة أخرى شنيعة وهي تعليمهم الناس السحر؛ وهذا اختيار ابن حزم وأبي حيان، والمعنى: أنهم كفروا وهم مع ذلك يعلمون الناس السحر. وقيل: إن هذه الجملة في محل رفع على أنها خبر ثان لكن على قراءة التشديد، أو للشياطين على قراءة التخفيف؛ هذا إذا أعدنا الضمير من يعلمون على الشياطين، أما إذا أعدناه على الذين اتبعوا ما تتلو الشياطين فالجملة حال من فاعل اتبعوا، أو استئنافية. وأما القول بأن هذه الجملة بدل من الذين كفروا فخلاف الظاهر كما مر. والحاصل أن الآية ليست في المقصود: لما فيها من الاحتمالات.

  قال أبو حيان: كفرهم إما بتعليمهم السحر، وإما لعلمهم به، وإما لتكفيرهم سليمان به. قال: ويحتمل: أن يكون كفرهم بغير ذلك.

  قلت: وعلى القول بأن الجملة بدل فالاحتجاج بها على تكفير كل ساحر غير واضح؛ لجواز أن يكون ذلك حكم الشياطين بعد زمان سليمان #، وحكم الله في الشياطين لا يتعدى إلى غيرهم إلا بدليل؛ وهكذا يقال إن جعلت الجملة حالًا من فاعل كفروا، أي كفروا معلمين؛ وقد فرق الله تعالى بين الملكين والشياطين، فحكم بكفر الشياطين بتعليم السحر دون الملكين، وهذا يدل على أنه مما يختلف فيه الحكم؛ ولو سلم عموم الحكم فهذه حكاية حال يكفي في صدقها صورة واحدة، فنحملها على السحر المجمع على أنه كفر، لا كل سحر.