مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير 106}

صفحة 3974 - الجزء 6

  ويأمرهم بخلافه، ويقول اليوم قولًا ويرجع عنه غدًا، ما هذا القرآن إلا كلام محمد من تلقاء نفسه، وهو كلام يناقض بعضه بعضًا، فأنزل الله هذه الآية، وأنزل أيضًا: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ ...}⁣[النحل: ١٠١] الآية، وهذه سالمة من الاعتراض؛ لأن (إذا) إنما تدخل على المتحقق، ولهذا رجح الرازي الاستدلال بها على الاستدلال بالأولى.

  واعلم أن هذه الآية أعني التي نحن بصددها يصلح الاحتجاج بها على منكري النسخ من المسلمين واليهود؛ أما المسلمون فلأنها قد دلت على إمكان النسخ ووقوعه كما عرف من سبب النزول، والقرآن حجة عليهم؛ لإقرارهم به، واعتمادهم في الاحتجاج عليه أنهم قد دفعوا الاحتجاج بها من وجهين:

  أحدهما: أن الآية لم تدل على وقوع النسخ في القرآن؛ لجواز أن المراد بالآيات الشرائع المتقدمة في التوراة والإنجيل.

  الثاني: أن المراد بالنسخ نقل القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، وأجيب عنهما بأن ذلك خلاف الظاهر، ولا دليل عليه، بل سبب النزول يدفعه، والآيات إذا أطلقت فالمراد بها آيات القرآن؛ لأنه هو المعهود عندنا، والنقل من اللوح المحفوظ لا يختص ببعض القرآن؛ والتحقيق أنه لا نزاع في المعنيين بين المسلمين في وقوع النسخ؛ لأنه معلوم من ضرورة الدين، ضرورة ثبوت نسخ بعض أحكام الشرائع السابقة بالأدلة القاطعة على حقيقة شريعتنا، ونسخ بعض أحكام شريعتنا ببعضها، كآية النجوى، وتحويل القبلة، وغير ذلك كثير.