مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}

صفحة 537 - الجزء 1

  قلت: وعلى هذا فلا وجه لاعتراضه على الراوندي؛ لأنه يمكن حمل كلامه على ما قاله المتكلمون، فيقال: أراد بقوله الذي حقت العبادة له في الأزل أي بالقوة وبقوله واستحقها حين خلق الخلق أي بالفعل، إلا أنه يعترض عليه في إطلاقه للاستحقاق في الأزل لإيهامه كما مر، ويمكن أن يجاب بأن قوله: واستحقها حين خلق الخلق قرينة تدفع الوهم؛ إذ جعله للاستحقاق الثاني مغايراً للأول قرينة دالة على أن الاستحقاق الأول بالقوة لا غير، مع ما يعضدها من القرينة العقلية.

  نعم أما المجبرة فيأتي على مذهبهم في قدم كلامه تعالى، وأنه صفة ذاتية له أنه يستحق الحمد في الأزل بالفعل، وقد صرح بذلك بعضهم.

  فقال الرازي: هو تعالى محمود في الأزل إلى الأبد بحمده القديم، وكلامه القديم، وقال القرطبي في معنى {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ١٨٢}⁣[الصافات]: أي سبق الحمد مني لنفسي قبل أن يحمدني أحد من العالمين، وحمدي نفسي لنفسي في الأزل لم يكن بعلة، وحمدي الخلق مشوب بالعلل.

  قلت: وبطلان قدم كلامه تعالى معلوم، وببطلانه يبطل ما فرعوا عليه، ويكفي في بطلانه أنه يلزم أن يكون مع الله تعالى قديم غيره تعالى عن ذلك علواً كبيرا، وظاهر كلام القرطبي أن الله يستحق الحمد لذاته، وقد عرفت ما فيه⁣(⁣١).


(١) يعني فيما تقدم من أن المحمود عليه يجب أن يكون اختيارياً أو مبدءاً للإختياري فيما عدا ما كان بمعنى الرضى. تمت مؤلف.