قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}
  الحجة الرابعة: أن الله تعالى عالم بقبح القبيح وغني عنه وعالم بغناه عنه، وإذا كان كذلك فإنه لا يفعل القبيح قياساً على الشاهد، فإن المعلوم ضرورة في الشاهد أن من كان عالما بقبح القبيح، وغنياً عن فعله، وعالماً باستغنائه فإنه لا يفعله، ولا علة لكونه لا يفعله إلا اجتماع هذه الأوصاف.
  قال الإمام أحمد بن سليمان # في تحقيق معنى هذه الحجة: الدليل على أنه تعالى منزه عن هذه الصفات التي توجب النقص من طريق العقل أنه قد ثبت أن الله تعالى عالم لنفسه قادر حكيم غني، وثبت أن العالم القادر الحكيم الغني لا يفعل القبيح ولا يرضاه ولا يأمر به، والعقل يشهد أن فعل القبيح قبيح، وأن من أمر به أو رضي بفعله يكون كمن فعل القبيح، ثم قال #: فإذا كان فعل القبيح يقبح بالعبد الجاهل المحتاج الضعيف، فكيف لا يقبح من العالم الحكيم القادر، فوجب أن يكون القديم تعالى منزهاً متعالياً عن فعل القبيح؛ لأنه تعالى عالم بقبح القبيح، ولأنه غير محتاج إليه لا لجر نفع إليه، ولا لدفع ضرر عنه تعالى، ولا لسخف رأي ولا لطمع فيما ليس له، ولا لمشورة مضل أو جاهل، فلما كان منزهاً عن فعل القبيح وكان الظلم، والجور، والكذب، وخلف الوعد، والوعيد، وفعل الفواحش وجميع المنكرات قبيحاً، والرضى بذلك، والأمر به صح أن الله تعالى لا يفعل شيئاً من ذلك، ولا يرضى به، ولا يأمر به، ولو فعل ذلك لدخل عليه من النقص والذم أكثر مما يدخل على العبد لأنه عالم لذاته