مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}

صفحة 589 - الجزء 1

  الاعتراض الأول: أن هذا من قياس الغائب على الشاهد، وهو قياس فاسد لوجوه:

  أحدها: أن من شرط صحة القياس وجود العلة الرابطة بين الأصل والفرع، وأين الرابطة التي يصح الجمع بها بين الله وخلقه.

  الثاني: أنه لو جاز قياس أفعال الله تعالى على أفعال خلقه لجاز أن تقاس ذاته على ذواتهم؛ لأن الأفعال صفات الذات.

  الثالث: أنه قد ضل كثير من الفرق حين قاسوا الخالق على المخلوق، فقال قوم: إن الله تعالى جسم ذو جوارح، قالوا لأنه فاعل قادر، ولم نجد الفاعل القادر إلا وهو جسم ذو جوارح، وقال آخرون: ما من حادث إلا وقبله حادث؛ لأنا ما وجدنا بيضة إلا من دجاجة، ولا دجاجة إلا من بيضة، فأثبتوا حوادث لا أصل لها حين قاسوا ما لم يروه على ما رأوه، قالوا وكذلك علماء المعتزلة ومن وافقهم فإنهم ضلوا وأضلوا كثيراً حين قاسوا أفعال الله تعالى على أفعال خلقه، فقالوا لو فعل القبيح، أو أراده لكان سفيهاً، كما أن الواحد منا لو فعله يكون كذلك، فأثبتوا الله شركاء من خلقه، قالوا: ومما يزيد بيان هذا القياس وضوحاً أنه لو نشأ إنسان في بلاد الزنج لم يخرج إلى غيرها، ولم ير إنساناً إلا أسود، ثم أنكر وجود الإنسان الأبيض وقال إنما قضيت بذلك قياساً على ما رأيت وشاهدت، فلا يشك عاقل في فساد قياسه، وضعف أساسه، وليس ذلك إلا لأنه أقاس الغائب على الشاهد.