مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}

صفحة 628 - الجزء 1

  المثال الخامس: إن الله خلى بين عبيده يقتل بعضهم بعضاً، ويأخذ ماله، ويزني بعضهم ببعض مع علمه وقدرته على التفريق بينهم، بل أمدهم بأموال ومنافع تهيج شهواتهم، وتشد من قواهم، ولم يقبح منه، ولو فعل مثله الواحد منا لقبح منه، قالوا: فلو كان القبح لأمر يرجع إلى ذات الفعل لما وقعت من الله تعالى؛ إذ ما كان ذاتياً فلا يختلف باختلاف الفاعلين، ولما وجدنا هذه الأفعال تقبح منا، ولا تقبح من الله تعالى تعين أنه لا وجه للفرق إلا كوننا منهيين بخلاف الباري تعالى.

  والجواب من وجهين: جملي، وتفصيلي.

  أما الجملي فنقول: لو كان العلة في القبح النهي للزم إذا نهى الله عن عبادته، وعن العدل، والإنصاف أن تقبح هذه الأمور، ولعلهم يلتزمون قبحها لأنها لأجل النهي تنافر الطبع، وفي التزامه من الشناعة ما لا يخفى، ويلزم على علتهم هذه إبطال الشرائع؛ لأن معرفة الشرائع متوقفة على معرفة النبوة، ونحن لا نعرف النبوة إلا إذا علمنا أنا مأمورون منهيون، ولا طريق لنا إلى معرفة الأمر والنهي إلا من جهة النبي، وهذا محض الدور الذي يلزم منه عدم إمكان معرفة الشرائع؛ لأنه إذا لم يمكن العلم بالنبوة لم يمكن العلم بشيء مما يتوقف عليها، وهو معنى إبطال الشرائع. وأيضاً لو قبح الفعل للنهي لكان يجب أن يحسن الحسن للأمر؛ لأنه نقيض القبيح، والواجب في النقيضين أن يكون مقتضي - بالكسر - كل واحد نقيض مقتضي