مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}

صفحة 630 - الجزء 1

  وأيضاً لو أثر أمره ونهيه تعالى في القبح لأثر أمرنا ونهينا؛ لأن صيغ الأمر والنهي تتماثل، وهي العلة بزعمكم، والعلل في إيجاب الحكم لا تختلف باختلاف الفاعلين، ألا ترى أن الحركة لما كانت علة في كون الذات متحركة لم يفترق الحال بين أن تكون من قبلنا، أو من قبل الله تعالى، فكذلك هاهنا، والمعلوم خلافه، مع أنه يلزم لو كان لأمرنا ونهينا تأثيرٌ أن يكون الشيء الواحد حسناً وقبيحا دفعة واحدة بأن يأمر به شخص، وينهى عنه آخر، وفي هذا جمع بين المتناقضين.

  فإن قيل: إنما أثر أمر الباري ونهيه لوجوب طاعته دوننا.

  قيل: قد أجاب عن هذا القرشي، فقال: بالعقل علمتم وجوب طاعة الخالق، فقد أبطلتم مذهبكم في أن العقل لا يقضي بالوجوب، أم بالأمر، فيعود الإلزام لأنكم إنما نوزعتم في الفرق بين أمره وبين أمر عباده، فما لم تجعلوا الفرق عقلياً فالإلزام باق، ولا ينقلب علينا هذا لأنا نجعل أمره تعالى دليلاً على الوجوب لا مؤثراً فيه، وصح ذلك في أمره دون أمرنا؛ لأنه تعالى حكيم لا يأمر إلا بحسن، فلذلك لم يدل أمرنا على الوجوب، ولا نهينا على القبح.

  فإن قيل: نحن نلتزم تأثير نهينا في القبح، فإن من نهى عن دخول داره أو نحوه، فإن الدخول يقبح، ولا علة له إلا النهي.

  قيل: قد أجيب بوجهين:

  أحدهما: ذكره القرشي، وهو أن النهي لم يكن علة للقبح، بل كاشفاً عن عدم الرضا، والدخول مع عدم الرضا ظلم؛ لأنه ضرر لا نفع فيه، ولا دفع، ولا استحقاق، وكونه ظلماً هو الوجه في قبحه.