مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}

صفحة 660 - الجزء 1

  ما زعمتوه من أن عدم القول بالحسن والقبح العقلي يستلزم سد باب معرفة صدق الأنبياء. فالجواب أنه قد تقدم لنا في المقدمة بحث في إبطال الاستناد في هذا إلى العادة، فارجع إليه، ثم إنا نقول: إنا لم نعرف الله تعالى إلا دلالة لا ضرورة، فكيف نعلم قصده بأفعاله ضرورة، فإن من المستحيل أن نعرف أصل الشيء دلالة، وفرعه ضرورة.

  إذا عرفت هذا فنقول: إن أردتم أنا نعلم عند ظهور المعجز أن الله قصد به التصديق، فذلك محال لما ذكرنا، وإن أردتم أنه خلق فينا علماً ضرورياً بصدق المدعي عند ظهور المعجز من دون نظر إلى قصد فاعله، لزم أن نعلم أنه صادق فيما جاء به، وأخبر به ضرورة، فيكون علمنا بالجنة والنار، والقيامة، ووجوب الصلاة ضرورياً، والمعلوم خلافه ضرورة. وأما قولهم إنه لم ينقل عن الأمم الماضية المنازعة بعد تسليم كونها من الله تعالى، فمجرد دعوى لا دليل عليها، ثم إن عدم نقل ما ينافي الشيء لا يفيد تواتر ثبوت ذلك الشيء بلا خلاف. وأما ما ذكروه فيمن غمض عينيه، فإنما لم يقدح في الضروري لعدم الدليل على الانقلاب الذي جوزوه، وقد مر في المقدمة أنه يجب القطع بنفي ما لا دليل عليه في مثل هذا، فكيف يجعلونه من باب العاديات وأين المناسبة، فتأمل ترشد.

  واعلم أن العلم بهذه المسألة من فروض الأعيان؛ إذ لا يكمل العلم بالعدل إلا بها؛ إذ لو جوزنا أن حسن المحسنات لا لوقوعها على وجه، بل لانتفاء النهي لزم تجويز ما قدمناه، وهو يقدح في العدل بلا شك.