مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الثالثة: فيما يحتاج إليه الناظر في كتاب الله

صفحة 74 - الجزء 1

  والفرق جلي بين أخذ العلم تلقيناً، وبين تحصيله بتعب القلب، وجمع الهمة، وإعمال الفكر، ولذا ورد في فضل التفكر ما ورد، والأجر على قدر المشقة.

  فإن قلت: فما بال أمير المؤمنين # رجح لولده الحسن # ترك النظر، والأخذ بما مضى عليه سلفه مع ما في النظر من الفضل؟

  قلت: لما في النظر من الخطر، فإنه لا يؤمن أن ينظر في مسألة من علم الكلام ولا يؤدي النظر حقه فيؤديه نظره إلى حالة يستحق صاحبها الخلود في النار، فكان ترك الاشتغال بالنظر مع كون العلم بالحق يحصل له من دونه أولى مع هذا الخوف، ولهذا أمره إن اختار النظر بما أمره به من التفهم ونحوه، وحذره من التقصير وعدم النظر على الوجه المعتبر.

  فإن قلت: هل في كلامه ما يدل على الأخذ بالجمل دون التفاصيل كما تأوله به ابن أبي الحديد؟

  قلت: لا، بل دل على وجوب الإمساك عما لم يكلفه الإنسان، وهذا شأن الراسخين في العلم من الأنبياء وغيرهم؛ بدليل قول علي #: (واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب الإقرارُ بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علماً، وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخاً). رواه في النهج⁣(⁣١).


(١) ص (١٢٥) ١٩٠، ١٨٩. أعلمي.