المسألة الثامنة عشرة [حدوث العالم]
  على كلام مثبتي المعاني إلا أنه يعلم دلالة؛ إذ ذواتها معلومة بالاستدلال فلا يعلم الفرع(١) ضرورة.
  قلت: وأراد بالمعاني الذوات الموجبة وهو المعنى الخاص للمعاني كما مر ونحن نأتي بالاستدلال على طريقتهم فنقول: الدليل على أنها تعدم أنه متى سكن الجسم عدمت الحركة والعكس، وإنما قلنا إن ذلك عدم لأنه لا يخلو إما أن يكون باقيا في الجسم مع وجود ضده، أو منتقلا عنه إلى محل أو إلى غير محل، أو معدوماً لا يصح أن يكون باقياً، وإلا لأوجب صفة الكائنية لذلك الجسم فيكون متحركاً ساكناً في حالة واحدة وهو محال، بيان ذلك أن المعنى إنما يوجب الصفة لما هو عليه في ذاته وهو صفته المقتضاة، فيلزم أن يوجبها في كل أوقات وجوده؛ إذ لا اختصاص لذلك بوقت دون وقت، ولا يصح أن يكون منتقلاً لأنه إن أريد بالانتقال ما هو المعقول من تفريغ جهة وشغل أخرى، فهو إنما يثبت في المتحيزات، وإن أريد به أنها تحل غير محلها الأول لم يصح؛ لأن حلول العرض في المحل المعين كيفية في وجوده وكيفية الوجود لا تفارقه، وإن أريد أنها تنتقل إلى غير محل فهو واضح البطلان؛ إذ يستحيل مصيره غير حال بعد أن قد كان حالاً لأن حلوله لما هو عليه في ذاته وهو حاصل في كل وقت، فلا يصح أن يكون حالاً في وقت دون وقت، وأيضاً انتقال العرض سواء كان إلى محل أو إلى غير محل لا يخلو إما أن يكون مع الوجوب، أو مع الجواز والأول باطل وإلا لزم أن ينتقل أبداً فلا يزال منتقلاً، وأن لا يختص
(١) وهو جواز العدم. تمت مؤلف.