مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الثامنة عشرة [حدوث العالم]

صفحة 790 - الجزء 2

  وجود الشيء عقيب عدمه كما مر، ونحن نعلم ضرورة أن هذه الأشياء تكون معدومة ثم تحدث وتوجد، وإذا ثبت حدوث هذه الأشياء فلنا أن نلحق بها ما لا نشاهد حدوثه من الأجسام كالسماء والأرض ونحوهما؛ لأن الأجسام كلها متماثلة كما مر، فما ثبت لبعضها ثبت للكل وهذه طريق قطعية.

  واعلم أن الطرق الموصلة إلى القطع بحدوث الأجسام كثيرة، ونحن نذكر منها ما به يتحصل العلم بالحدوث فنقول:

  أحدها: الضرورة إما في البعض كما مر وإلحاق الباقي بالجامع المتقدم، وإما في الكل، وذلك أنه لا خلاف أن الأجسام تسمى صنعا، والصنع ضرورة لا يكون إلا من صانع؛ لأنه فعل والفعل لا يكون إلا من فاعل، وما احتاج إلى الفاعل فهو محدث لتقدم فاعله عليه ضرورة، وهذه الطريقة كما تجري في الأجسام تجري في الأعراض.

  الثانية: طريقة القياس العقلي، وذلك أنا وجدنا الأجسام مركبة مؤلفة كالمبنيات من الدور وغيرها، والمعلوم ضرورة أنه لم يثبت التركيب والتأليف في المبنيات إلا لكونها محدثة مقدورة لقادر متقدم على تركيبها، فيجب في الأجسام أن تكون محدثة مثلها لمشاركتها لها في التركيب مع عدم الفارق، وقد أشار إلى هذه الطريقة أمير المؤمنين ~ حيث قال: (وهل يكون بناء من غير بان أو جناية من غير جان). رواه في النهج.

  وذكر العلامة ابن أبي الحديد أن هذه الطريقة تفيد الضرورة قال: وقد اعتمد عليها كثير من المتكلمين فقال: نعلم ضرورة أن البناء لا بد