قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}
  بكونه خبرا فقط دون سائر أنواعه، سلمنا فهذا القياس من قياس التمثيل وهو لا يفيد القطع إلا إذا كانت علية العلة، وحصولها في الفرع بتمامها من دون مانع قطعيين وأجيب بأن هذه الأمور قد ثبتت كلها بالدليل. أما الأول فلأنه يعلم على انفراده، وذلك هو معنى الذات. وأما الثاني فلأن القدرة على إيجاد الذات تبع للقدرة على جعلها على صفة من دون معنى ثبوتاً وانتفاء مع زوال ما هو أولى من ذلك بتعليق الحكم.
  وأما الثالث فلأن الواحد منا إذا قال: زيد في الدار. لم يكن خبراً عن زيد بن خالد دون زيد بن بكر إلا بإرادة المخبر كونه خبرا عن فلان دون فلان، ومتعلق الإرادة لا يصح أن يكون مجرد إيجاد الحروف؛ إذ هي معها على سواء، ولا المخبر عنه إذ قد يخبر عما لا تصح إرادته كالباقي والماضي(١)، ولا أمر خارج عن الصيغة غير المخبر عنه إذ لا تعلق لها به فلم يبق إلا أنها متعلقة بإيجادها خبرا عن فلان دون غيره، وكونها خبرا عنه هو المراد بقولنا صفة، وأيضا فإن لفظ (زيد في الدار) قد يقع من الساهي والنائم ولا يكون خبرا، ولا يستحق عليه مدحاً ولا ذما، ويقع من المنتبه فينعكس الحكمان فلا بد من أمر يميز به عن صدوره من المنتبه، وليس ذلك إلا الإرادة لما بينا، وهكذا سائر أنواع الكلام لا بد من أمر يميز الطلب عن التهديد ونحوه.
  وأما الرابع فما ذكرناه من أن القدرة على إيجاد الذات تبع للقدرة
(١) ذكر ابن متويه أن امتناع إرادة هذه الأشياء معلوم بالوجدان من النفس وهو صحيح ومن هنا قضوا بأن الشرط في إرادة الشيء صحة حدوثه. تمت بكري.