المسألة التاسعة عشرة [في بيان أنه لا بد للمحدث من محدث مختار]
  والجاحظ، إلا أنه يقول: إن النظر شرط اعتيادي، أي أجرى الله العادة أنه لا يخلق العلم في القلب إلا بعد أن يوجد العبد النظره وفيما حكيناه عن أمير المؤمنين # في الدليل على حدوث الأجسام من قوله: وهل يوجد بناء من غير بان؟ ما يدل على أن العلم بذلك ضروري، وكذلك قوله #: الذي تشهد له أعلام الوجود على إقرار قلب ذي الجحود. رواه في النهج.
  قال ابن أبي الحديد في شرحه: لا شبهة في أن العلم بافتقار المتغير إلى المغير ضروري، والعلم بأن المتغير ليس هو المغير إما أن يكون ضروريا، أو قريبا من الضرورة.
  قلت: وما قاله الشارح يدل على أن المعلوم ضرورة إنما هو كون المحدث لا بد له من مؤثر ما، لا تعيين كونه الباري تعالى.
  وقد حكى القرشي اتفاق العقلاء على ذلك. والجمهور على أن العلم بذلك استدلالي ولهم على ذلك أدلة:
  أحدها: أن الجسم قد ثبت حدوثه، وإذا ثبت حدوثه احتاج إلى محدث كاحتياج أفعالنا إلينا، والعلة في احتياجها إلينا حدوثها وهو موجود في الجسم، فإذا كان الجسم قد شارك أفعالنا في العلة وجب أن يشاركها في الحكم وهو الاحتياج.
  فإن قيل: ما الذي يدل على أن علة حاجة أفعالنا إلينا هو الحدوث؟
  قيل: قد مر الدليل على ذلك في الاستعاذة(١).
(١) في المسألة الثالثة في أفعال العباد. تمت مؤلف.