قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}
  قيل: قد ثبت أن الحدوث عبارة عن الوجود مع الجواز لا مع الوجوب؛ لأنه وجد بعد وعدم كما مر، ولو كان وجوده واجباً لما تقدمه عدم إذ وجود الشيء لا لأمر يستلزم أزليته، وما قيل من احتمال وقوفه على شرط(١) كالصفة المقتضاة فمدفوع بأنه لو وقف على شرط لكان ذلك الشرط لا يخلو إما أن يكون حادثاً لزم التسلسل؛ إذ الحدوث متماثل أو أزلياً لزم قدم العالم، وقد ثبت حدوثه فصح أن كل وجود بعد عدم لا يكون واجباً.
  فإن قيل: هلا كانت العلة في الاحتياج هي الحدوث مع الجواز؟ وإذا حدث مع الوجوب لم يحتج.
  قيل: قد مر أن الحدوث عبارة عن الوجود مع الجواز فكيف يصح أن يقال: حدث مع الوجوب، ثم إن بالحدوث فقط يعلم الاحتياج إلى محدث ولا يعتبر قيد آخر، كما أن كون الفعل ظلماً يعلم قبحه ولا يعتبر حصوله مع الجواز، ولا غير ذلك من القيود.
  وقد أجيب بأنه وإن كان حدوثها مع الجواز هو العلة في الحاجة ولولا الجواز لما كان الحدوث علة، لكن ليس الجواز جزء علة وإن كان معتبراً على وجه الشرط، كما أنا عند العلم بالمتحركية تعلم الحركة وإن لم نعلم حصول المتحركية على سبيل الجواز مع أنه هو الدليل الموصل إلى العلم بالحركة. وفي هذا الجواب تسليم أن الجواز من تمام وجه الحاجة.
(١) يعني أن وجود الواجب متوقف على شرط لا على موجد. تمت مؤلف.