قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}
  فمقدوراتها متجانسة حتى لا جنس يصح أن يفعل بقدرة إلا ويصح أن يفعل مثله بقدرة أخرى، وإلا لجوزنا أن يقدر أحدنا على حركة يمنة فرسخا ولا يقدر على حركة يسرة ذراعًا لفقد قدرته، والمعلوم ضرورة امتناع ذلك، وإن كانت متجانسة، فلو جوزنا قدرة على الأجسام لجاز من أحدنا إيجاد جسم بما فيه من القدرة؛ لأن مقدوراتها إنما تجانست لكونها قدرًا وهي مشتركة في كونها قدرا فاشتركت في تجانس المقدور، ولما علمنا بالضرورة عدم قدرة أحدنا على إيجاد جسم، قطعنا بأن صانع العالم ليس بجسم، وهاهنا سؤال وهو أن يقال: يجوز أن يكون تعذر الفعل منا إنما هو لفقد أمر فينا نحو: أن نجوز(١) أن ثم قدرة على الفعل لم يخلقها الله لنا بحيث لو قدرنا وقوع ذلك الأمر لصح منا فعل الأجسام، ومع هذا التجويز لا نقطع بعدم الصحة، فضلا عن كونه ضرورياً.
  أجاب الإمام المهدي #: بأنا نعلم تعذر فعل الأجسام منا على حد علمنا بتعذر الجمع بين الضدين وجعل القديم محدثا، فلو جوزنا أن تعذر الأجسام لما ذكرتم لجوزنا تعذر الجمع بين الضدين وجعل القديم محدثاً لذلك، وذلك يستلزم تجويز المحالات كجعل الجسم أسود أبيض في حالة واحدة.
  فإن قيل: وجود الجسم جائز واجتماع الضدين محال، فلا يصح القياس، قيل: قد استويا في العلم باستحالتهما كما بينا، فلو جوزنا وجود قدرة فينا تؤثر في إيجاد الجسم لجوزنا مثل ذلك في الجمع بين الضدين لاتفاقهما في العلم باستحالتهما.
(١) من التجويز تمت مؤلف.