قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}
  واعلم أن الأدلة على أن الله تعالى هو الذي أوجد العالم واخترعه كثيرة متنوعة، وقد اكتفينا في هذا الموضع بهذين الدليلين الا انهما لا شك موصلان إلى المطلوب، ومع ذلك إن في الاهتمام بالنظر في كتاب الله وأخذ الهدى منه والاقتفاء لما نبه عليه فيه من الدلائل ونحن نرجو الله أن يبلغنا الأمل في ذلك، ولا شك أن القرآن قد تضمن من الطرق الموصلة إلى معرفة الله سبحانه ما لا يوجد قط في غيره، ولا نهتدي نحن ولا غيرنا إلى أحسن مما دلنا الله عليه في كتابه، وقد حث الله على ذلك في آيات كثيرة، ولو لم يكن إلا قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء: ٩]، وفي كلام النبي ÷ ووصيه وعترته كثير من الحث على الاكتفاء بالقرآن، وقد تضمن كتابنا هذا شطرا من كلامهم، وفي كلام بعضهم أنه لا دليل على الله أعظم من كتابه، وقال بعض العلماء لما أخذ في الاستدلال على وجود الباري تعالى: إن أول ما يستضاء به من الأنوار، ويسلك من طريق الاعتبار ما أرشد إليه القرآن، فليس بعد بيان الله سبحانه بيان، ثم أخذ في الاستدلال بالآيات القرآنية المنبهة على كيفية الاستدلال على إثبات الصانع، ثم أعقب ذلك بدليل الدعاوى المتقدم، ولأجل ما ذكرنا اكتفينا بهذين الدليلين في هذا الموضع، وإن كان فيهما إجمالاً من حيث أنهما تضمنا الاستدلال بالعالم جملة، وأخرنا الاستدلال بما اشتمل عليه العالم من التفاصيل إلى مواضعه من كتاب الله.