مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة العشرون [في الدلالة على قدرة الله تعالى]

صفحة 861 - الجزء 2

  إلى غير ذلك من التغيرات، وهذه التغيرات كما تدل على وجود الآلة لحدوثها بعد عدمها، والفطرة السليمة تشهد بذلك بدليل أنا لو سمعنا أن بيتا حدث بعد أن لم يكن، فإن صريح العقل يشهد بأنه لا بد له من بان أوجده وبناه، ولو أن إنسانا شككنا فيه لم نشك فكذلك تدل على أن فاعلها⁣(⁣١) قادر كفاعل البيت، فصح أن دلالة الآية على أن الله تعالى الذي أوجد العالم يتضمن الدلالة على كونه قادرا. وكما تضمنت الدلالة على ذلك فقد تضمنت الدلالة أيضًا على أنه عالم لما في العالم من الإحكام والإتقان والتدبير العجيب. وتضمنت أيضا الدلالة على أنه تعالى حي؛ إذ القادر العالم لا يكون إلا حيا وعلى كونه قديما، وإلا لاحتاج إلى محدث، ومحدثه إلى محدث إلى ما لا نهاية له، وذلك محال.

  وفي الآية أيضاً دلالة على تنزيه ذات الله عن المكان والزمان والحلول في أي محل كان؛ لأنا قد بينا أن العالم اسم لكل موجود سوى الله تعالى، وقد ثبت أنه رب العالمين ومحدثه وخالقه، والخالق سابق على وجود المخلوق ضرورة، ومتى كان الأمر كذلك كانت ذاته موجودة قبل حصول الفضاء والفراغ الذي هو عبارة عن الجهة، وقبل الزمان الذي هو عبارة عن المدة التي يحصل بسببها القبلية والبعدية، وقبل كل محل؛ إذ لو حل بعد وجود المحل في جهة منه لانقلبت حقيقة ذاته، وذلك محال.

  وفي هذا رد لقول المجسمة؛ لأن قولهم يستلزم الحاجة إلى المحل وقول النصارى: باتحاده بالمسيح #، وقول الحلولية.


(١) أي التغيرات تمت مؤلف.