قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم 6} من سورة الفاتحة
  والذي حكاه سعد الدين عن الجوهري: أن الإنذار تخويف مع دعوة، وعلى هذا فلا مباينة، بل التهديد أعم. قال الدسوقي: لأن الإنذار تخويف مع دعوة لما ينجي من المخوف، وأما التهديد فهو تخويف مطلقا، فالإنذار أخص من التهديد على ما في الصحاح.
  قلت: وفي كلام الصحاح دليل على اشتراط الرسول الأنه اعتبر في مفهومه الدعوة والعلاقة في التهديد بنوعيه التضاد باعتبار المتعلق؛ وذلك لأن المأمور به إما واجب أو مندوب والمهدد عليه إما حرام أو مكروه، ولهذا يقال: التهديد لا يصدق إلا مع الحرام والمكروه. وقيل: بل العلاقة السببية لأن إيجاب الشيء يتسبب عنه التخويف على مخالفته، أو المشابهة بجامع ترتب العذاب على كل من الأمر والتهديد عند الترك.
  الخامس: التسخير، أي جعل الشيء مسخرا منقادًا لما أمر به، ولا يستعمل ذلك إلا في مقام يكون المأمور منقادًا للأمر لا يقع منه تخلفه وقال ابن يعقوب وغيره: هو التبديل من حالة إلى أخرى فيها مهانة ومذلة كقوله تعالى: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ٦٥}[البقرة] أي: صاغرين مطرودين عن ساحة القرب والبعده قال ابن يعقوب: والفرق بينه وبين التكوين: أن التسخير تبديل من حالة إلى أخرى أخس(١) منها، والتكوين إنشاء من عدم لوجود، ويوجد استعمال الأمر(٢) فيه كقوله تعالى: {كُنْ فَيَكُونُ ١١٧}[البقرة] والتعبير عن الإيجاد بـ: (كن) إيماء إلى أنه يكون في أسرع لحظة وأنه طائع لما يراد، فكأنه إذا أمر ائتمره
(١) من الخسة وهي الرذالة. تمت مؤلف.
(٢) أي صيغته. تمت مؤلف.