مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الأولى [معنى النعمة]

صفحة 963 - الجزء 2

  وأما أهل الاصطلاح فقد اختلفوا على قولين:

  أحدهما: أن النعمة هي المنفعة الحسنة الواصلة إلى الغير التي قصد بها فاعلها وجه الإحسان إليه، وهذا قول السيد ما نكديم والإمام المهدي وأبي علي وغيرهم.

  الثاني: أنها المنفعة الواصلة إلى الغير ... إلى آخر ما مر، وهذا قول الرازي وهو ظاهر حكاية السيد ما نكديم عن أبي هاشم، ولم يقيدا المنفعة بكونها حسنة لأنهما يجوزان في النعمة أن تكون قبيحة واستدل أبو هاشم على ذلك بأن الله لو أثاب من لم يستحق الثواب لكان منعما عليه مع أن ذلك قبيح لعدم انفكاكه عن التعظيم، وقد ثبت قبح الابتداء بالتعظيم⁣(⁣١).

  دليل آخر: وهو أن أحدنا لو ملك غيره جميع ما يملكه حتى افتقر لكان منعما مستحقا للشكر من جهته مع أن فعله قبيح الإطباق العقلاء على ذم من أخرج جميع ماله حتى لا يبقى له ما يسد جوعته ويواري عورته؛ ولقوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ...}⁣[الإسراء: ٢٩] الآية.

  وقال الرازي: الحق أن هذا القيد غير معتبر، لأنه يجوز أن يستحق الشكر بالإحسان وإن كان فعله محظورا لأن جهة استحقاق الشكر غير جهة استحقاق الذم والعقاب، فأي امتناع في اجتماعهما، ألا ترى أن الفاسق يستحق بإنعامه الشكر والذم بمعصية الله، فلم لا يجوز أن يكون


(١) لأن تعظيم من لا يستحق التعظيم قبيح. تمت مؤلف.