قوله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم} من سورة الفاتحة
  الأمر هنا كذلك، وسيأتي الجواب عليهما قريبا. وإنما قالوا في النعمة هي المنفعة لأنها لو كانت مضرة محضة لما كانت نعمة، واحترزوا بالمحضة عن الآلام ونحوها التي يوصلها الله إلى الحيوانات فإنها لم تكن مضرة لما يقابلها من الأعواض الموفية لها. وقيد الأولون المنفعة بالحسنة لأنها لو قبحت لما استحق عليها الشكر ومن حق النعمة الشكر، وقول أبي هاشم غير مسلم، إذ لو كان ما ذكره نعمة لاستحق عليها الشكر، فإن قيل: هو يستحق الشكر كما قال الرازي، قلنا: لو سلم ذلك فإنما يستحقه على الثواب الذي ذكره أبو هاشم لأن المثاب توصل بذلك الثواب إلى منافع لولا الثواب لما وصل إليها فاستحق المثيب الشكر على تلك المنافع التي توصل المثاب إليها بالثواب؛ لأن الثواب والمنفعة المتوصل إليها كليهما من جهة المثيب، وكذلك الدليل الآخر فإن استحقاق الشكر على إعطاء المال إنما كان لأجل المنافع التي توصل به إليها ولا يجب في المنعم أن يكون قد فعل فعلا يستحق به الشكر لا محالة، بل لا يمتنع أن يستحق الشكر على حصول المنفعة وإن لم يكن منه فعل أصلاً، كمن اكتسب مالاً في جنب غيره، فإن ذلك الغير يستحق الشكر وإن لم يكن منه إليه فعل ينصرف الشكر إليه، بل مجرد النسبة إليه أو التعلق به أو نحو ذلك، وكذلك الساكت عن المطالبة بالدين فإنه يستحق الشكر وإن لم يكن له فعل، كما أن المخل بالواجب يستحق الذم وإن لم يكن له فعل.
  والحاصل أن الشكر يستحق على المنفعة الحسنة الواصلة إلى الغير