قوله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم} من سورة الفاتحة
  بسبب غيره، سواء كان ذلك السبب فعلا حسنا أو قبيحا أم لم يكن فعلا كما مثلنا. وأما قول الرازي بعدم اتحاد الجهة هنا فباطل؛ لأن النعمة هي عين المحظور، فكيف يسمى ذلك نعمة وإحسانا يستحق عليه الشكر، والفرق ظاهر بين هذا وبين ما ذكره في الفاسق؛ فلم يبق إلا أنه يستحق الشكر على المنفعة الحسنة التي توصل إليها بذلك المحظور على ما سبق تقريره، وكلاهما حاصلان من جهة المنعم. والله أعلم.
  ولا يخفى أن ظاهر إطلاق ما سبق عن أهل اللغة يقضي بترجيح قول أبي هاشم والرازي؛ وقول الأولين: إن الشكر يستحق على حصول المنفعة وإن لم يكن ثمة فعل محل نظر، لأن الشكر كما مر عرفان الإحسان ونشره، والإحسان مصدر أحسن، كالإكرام مصدر أكرم، والمصدر هو نفس الحدث فلا يتصور شكر إلا على إحسان والإحسان فعل، فتأمل.
  وأما اعتبار قصد الإحسان إلى الغير فلأن القاصد لنفع نفسه لا يسمى منعمًا وإن أوصل إنعامه إلى الغير كمن أحسن إلى جاريته بأنواع الحلي والحلل ليزينها في عين المشتري، وكذلك البزاز إذا أخرج للمشتري أنواع البز لم يكن منعما عليه؛ لأنه قصد نفع نفسه، وهذا أمر معلوم فإن التاجر إذا امتن على المشتري بأنه أخرج له الثياب الفاخرة فإنه يجيب بأنه لا منة لك علي ولا نعمة لأنك لم ترد إلا نفع نفسك، أو ما يؤدي هذا المعنى.