قوله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم} من سورة الفاتحة
  بنعم لا تحصى دينية ودنيوية، وما أحسن ما قاله العلامة أبو السعود في تفسير هذه الآية - أعني {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة: ٧] - وهو من فحول الخصوم، ونصه: ونعم الله تعالى مع استحالة إحصائها تنحصر أصولها في دنيوي وأخروي، والأول قسمان: وهبي وكسبي والوهبي أيضًا قسمان: روحاني كنفخ الروح فيه وإمداده بالعقل وما يتبعه من القوى المدركة فإنها مع كونها من قبيل الهدايات نعم جليلة في أنفسها، وجسماني كتخليق البدن والقوة الحالة فيه والهيئات العارضة له من الصحة وسلامة الأعضاء، والكسبي تخلية(١) النفس عن الرذائل وتحليتها بالأخلاق السنية، والملكات البهية، وتزيين البدن بالهيئات المطبوعة والحلي المرضية وحصول الجاه والمال.
  والثاني: مغفرة ما فرط منه والرضا عنه وتبوئته في أعلى عليين مع المقربين والمطلوب هو القسم الأخير وما هو ذريعة إلى نيله من القسم الأول.
  قلت: وفي قوله: وما هو ذريعة ... إلخ اعتراف بالنعمة الدينية على كل مكلف، لا سيما وقد قال: إنها من قبيل الهدايات، وأما جعل التخلية عن الرذائل والتحلية بالفضائل نعمة من الله فنقول: ذلك من فعل العبد إلا أنه يصح تسميته نعمة من الله تعالى لهدايته ودلالته عليها وتمكينه منها، وأما تزيين البدن وما بعده فهو نعمة من الله لأنها فعله حقيقة.
(١) بالخاء المعجمة وما بعدها بالحاء المهملة. تمت مؤلف.