قوله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم} من سورة الفاتحة
  السياق تمنع من حملها على صراط الكفار؛ لأنه قد تقدمها طلب المعونة على العبادة، ولو جعلنا المطلوب هنا صراط الكفار لتنافر الكلام وتناقض، والواجب صيانة أفصح الكلام عن الوجوه التي تنافي الفصاحة والبلاغة، ولأنه وصف الصراط بالمستقيم وصراط الكفار لا يوصف بالاستقامة، ثم إنا لو سلمنا تناول الآية للكفار بظاهرها فقد أخرجهم بقوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ٧}[الفاتحة].
  إذا عرفت هذا فنقول: المراد بالنعمة هنا النعمة الدينية وهي نعمة الإسلام والإيمان، وذلك لا يستلزم نفي النعمة الدينية على الكافر لأنا قد بينا أن الهداية المطلوبة في الآية محمولة إما على الثبات أو التوفيق أو الهداية إلى الجنة في الآخرة، وكل ذلك لا يمنع الإنعام على الكافر بالهداية بمعنى الدلالة على الخير.
  فإن قيل: فقد جوزتم حملها في الآية على الدلالة؟
  قيل: ذلك لا ينافي ثبوتها للكافر ولذا تخلصنا عن لزوم كونها من طلب تحصيل الحاصل بتلك الوجوه التي هي الحمل على التعبد أو صراط الأولين في تحمل المشاق أو زيادة الأدلة أو الهداية في المستقبل، وكل ذلك لا ينافي ثبوت أصل هذه النعمة للعصاة، فتأمل تر شد.
  وأما قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ...}[آل عمران: ١٧٨] الآية، فإنما نفي كون الإملاء نعمة، ولا يلزم منه نفي سائر النعم الدينية والدنيوية، وحينئذ فنقول: يجوز أن يكون ذلك الإملاء الذي يزدادون به إنما عقوبة لهم على تماديهم في المعاصي وعدم قبولهم الهداية