قوله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم} من سورة الفاتحة
  أن اللطف غير واجب في نفسه ولكن لا بد أن يفعل ويستحق الذم مع عدم فعله لا على الإخلال به، بل على أمر آخر وهو كونه كلف لغرض ثم لم يفعل ما يقع عنده ذلك الغرض أو يقرب من الوقوع فيصير عابنا بالتكليف.
  قلت: قد اعترف # باستحقاقه الذم بترك اللطف، وقوله: ليس على الإخلال به ... إلخ مجرد دعوى، مع أن قوله: ثم لم يفعل ما يقع عنده ... إلخ هو معنى الإخلال فلم يظهر أمر يستحق عليه الذم مغاير للإخلال حتى يتم قوله: ليس على الإخلال به. سلمنا، فنقول: استلزام الإخلال باللطف كونه عابنا بالتكليف كاف في استحقاق الذم على تركه؛ لأن مستلزم القبح قبيح، وإذا استحق الذم على تركه كان واجبا؛ إذ لا معنى للواجب إلا قبح الإخلال به واستحقاق الذم بتركه. والله أعلم.
  الحجة الثانية: أن اللطف جار مجرى التمكين في إزاحة علة المكلف لاستوائهما في أن المكلف لا يختار الفعل إلا عندهما، فكما أن التمكين واجب لأجل التكليف فكذلك اللطف.
  قال القرشي: وصار الحال فيه كمن يصنع للغير طعاماً ويعلم أنه لا يأتي إلا برسول فإن الإرسال إليه يجري مجرى فتح الباب وتقديم الطعام في إزاحة علة المدعو حتى أنه إن لم يرسل فقد عاد على غرضه الذي لأجله صنع الطعام بالنقض، والفرق بين هذه الحجة والأولى أنهم في الأولى أقاسوا الغرض بالتكليف المستلزم لوجوب اللطف