مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الخامسة [في اللطف]

صفحة 1013 - الجزء 2

  ورد الجواب، ونحن نأتي بحاصل تلك المعارضة فنقول:

  قال القرشي: الذي دل على وجوب اللطف في الشاهد أن اللطف لا يجب أن يكون على أبلغ الوجوه بدليل أن أحدنا لو دعا غيره إلى طعام، وعلم أنه لا يأتيه إلا إذا توجه إليه بالناس والقرآن، فإنه لا يجب عليه ذلك إذا كان قد أعذر إليه بالإرسال؛ لأن الغرض إزاحة العلة، فمن أين يجب أن تكون الإزاحة على أبلغ الوجوه حتى يلزم ذلك في الباري تعالى؟

  والجواب بالفرق وهو أنه إنما لم يجب ذلك في الشاهد لما يلحقه في ذلك من المشقة والغضاضة التي يزول معها الغرض رأسا حتى لو قدر بقاء الغرض كأن يكون الضيف عظيمًا يحصل بضيافته نفع عظيم لوجب عليه، بخلاف الباري فلا مشقة تلحقه، فلو لم يفعل الأبلغ لنقض الغرض، واعترضه القرشي بإجماع الشيوخ: على أنه يجوز من الله تعالى سلب الألطاف والتوفيق عن بعض المكلفين جزاء على عصيانهم وتجري مجرى العقوبة، كما قيل بذلك في قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ ...}⁣[الأنعام: ١١٠] الآية، ونحوها.

  وكذلك وقع الإجماع على أنه تعالى يزيد بعض المكلفين توفيقا وتسديدا، ولو وجب الأبلغ لفعل بغيرهم مثلهم، ولما سلب أولئك اللطف والتوفيق، ويجاب بأن الذين قد سلبهم الألطاف قد فعلها بهم على أبلغ الوجوه، فلما لم ينتفعوا بها سلبهم إياها عقوبة وخذلانا بعد إزاحة العلة على أبلغ وجه، فلا يشبه هذا ما لم يفعله أصلاً، وأما زيادة التوفيق فلا يمتنع أن تكون بعض الألطاف مشروطة