الموضع الثالث: في ذكر حجج العدلية وما يرد عليها ورده وذكر شيء مما اختلفوا فيه
  قال: فهذا معدود من الحمقى لا من العقلاء، هذا معنى المثل، وهو يدل على أن هذه قضية يعلمها العاقل ضرورة.
[الأدلة على أن دليل الانتفاع عقلي]
  هذا وأما الحجة لما ذهب إليه أئمتنا $ ومن وافقهم من حسن الانتفاع بما لا ضرر فيه مما لم يرد فيه حكم شرعي من الأشياء فمن وجوه:
  أحدها: عدم حكم العقلاء بذم من استظل تحت شجرة، أو تنفس في الهواء، أو مشى في الفضاء، وعدم حكمهم أيضاً بمدحه وثوابه وعقابه، فوجب القول بحسنه لما مر من أن الحسن ما لا عقاب عليه ولا ذم.
  الثاني: أنا نقطع بأن كل نفع لم تُشِبْه مضرة فإنه يحسن الانتفاع به، كما نقطع بحسن الإحسان، ونعلمه ضرورة من غير فرق.
  الثالث: أنه لابد في خلقها من غرض، وإلا كان عبثاً، والغرض لا يجوز عوده إلى الباري تعالى لاستحالة الضر والنفع عليه تعالى، فلا بد من عوده علينا، ثم ذلك الغرض إما أن يكون ضرراً، أو نفعاً، الأول باطل لأنا لا نعلم في تناولها ضرراً، بل نفعاً عظيماً، ولأنها لو ضرت لم تضر إلا بتناولها، وفي ذلك إباحتها أيضا(١)،
(١) قال المؤلف # في (الأنظار السديدة) ص (٥٥) برقم (١٥) ما لفظه: «لأنا لا نعلم في تناولها ضرراً بل نفعاً عظيماً ولو ضرت فضررها إنما يكون بتناولها وفي ذلك إباحتها لأن ضررها ليس لذاتها». انتهى.