المسألة الرابعة [في أن العبادة شكر]
  وقال القرشي: إن من شرط حسن التكليف أن يكون المكلَّف منعماً على المكلف، بما معه يستحق الطاعة والعبادة، وهي أصول النعم، التي هي خلق الحي، وحياته، وقدرته، وشهوته، وتمكنه من المشتهى، والعقل الذي به يميز بين الحسن والقبيح.
  قال: فحينئذ يستحق العبادة، ويجري ذلك مجرى الشكر المطلق على النعمة في الشاهد. وحكى الرازي عن القاضي أنه قال: الآية - يعني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}[البقرة: ٢١] - تدل على أن سبب وجود العبادة ما بينه من خلقه لنا، والإنعام علينا.
[خصائص العبادة]
  وقال الإمام عز الدين: اعلم أن العبادة توافق الشكر في أمرين: الاستحقاق لأجل النعمة، ومقارنة التعظيم والإجلال، وتفارقه في وجوه:
  أحدها: أنه لا يستحقها إلا المنعم بأصول النعم.
  وثانيها: تأديتها على نهاية ما يمكن من التذلل والخضوع.
  وثالثها: أنها يتغير حكمها بتغير الأحوال والأزمان، ويرد عليها النسخ.
  ورابعها: وجوب إظهارها على سبيل الاستمرار في أوقاتها، والشكر لا يجب إظهاره إلا عند تهمة.
  وخامسها: أنها لا تتزايد بتزايد النعم، والشكر يتزايد بتزايدها.
  وسادسها: أنه لا يعلم وجوبها إلا بالشرع، ووجوبه معلوم بالعقل.