تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (القيامة)

صفحة 112 - الجزء 1

  والبنان قيل: هو الخلق والأسر والتأليف في الأعضاء، وقيل: البنان الأصابع التي هي أطرافه، أو على أن نسوي بنانه ونضم سلامياته على صغرها ونضم بعضها إلى بعض كما كانت أولاً، فكيف بكبارها وفيه تنبيه عظيم على القدرة بالإعادة {بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ٥}: أي: يريد أن يجعل باقي حياته في الفجور، أو ليدم على الفجور فيما بين يديه من الأوقات، وفيما يستقبله من الزمان، وعن بعضهم: يقدم الذنب ويؤخر التوبة على طريق التسويف، {يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ٦} معنى أيان أي: متى هذا الوعد بالقيامة فرد الله عليه بقوله: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ ٧ وَخَسَفَ الْقَمَرُ ٨ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ٩} فأخبر سبحانه إذا كان ما ذكر فهو يوم القيامة {بَرِقَ الْبَصَرُ ٧}، أي: شخص، وتحير، وخسف القمر ذهاب ضوءها أو تسقط، {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ٩} أي: جُمعا في الفناء، وفي تنقيص الإضاءة وانتظما جميعا بأمر الله، قيل: يقذفان في البحر، والله أعلم.

  هناك يقول: {يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ ١٠} أي: أين يذهب ويهرب من هذا الأمر وليس له مفر ولا مناص، وهم أهل الكبائر والكفر والعصيان {كَلَّا لَا وَزَرَ ١١} أي: لا ملجأ والوزر الملجأ هناك لا ملجأ، ولا مفر {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ١٢} أي: المصير والمقر إما إلى الجنة أو إلى النار {يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ١٣} أَي: يعلم ويخبر ويوقف على ما قدمه من الأعمال وما أخره وتركه من الواجبات وغيرها، ينبؤهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ١٤} أي: هو على نفسه حجة وشاهد عليها بل أعضاؤه شاهدة عليه {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ٢٤}⁣[النور]، {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ١٥} أي ولو جاء بكل معذرة يعتذر بها عن نفسه ويجادل عنها، فإن قلت: قد تقدم أنهم لا ينطقون ويختم على أفواههم، قلنا: هي مواقف كثيرة منها يقع فيه كلام، ومنها لا يتكلم فيه {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ١٦} كان رسول الله ÷ إذا لقي الوحي ينازع جبريل # القراءة ولم يصبر إلى أن يتمها مسارعة إلى الحفظ، وخوفاً من أن يتفلت منه، فأمر بأن يترك إلى أن يقضي إليه، وحيه، والمعنى: لا تحرك به