تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (القيامة)

صفحة 113 - الجزء 1

  لسانك بالقراءة لتعجل به ليأخذه على عجله {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ١٧} في صدرك وإثبات قراءته في لسانك {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ١٨}: أي: إذا قرأه عليك جبريل فاتبع قراءته وتعليمه، وقل كما يقول خذ ما يعطيك، وتعلم ما يعلمك {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ١٩} أي: إذا أشكل عليك شيء من ألفاظه أو معانيه فعلينا بيانه، بيان كل شيء مما تضمن من حلال وحرام، وغير ذلك، {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ ٢٠} ردع وزجر عن العجله، ثم أخبره بأن كثير من الناس يحبون العاجلة، وهي الدنيا، وقيل: إن المقصود يحبون الاستعجال في كل شيء والأول أوجه لقوله: {وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ ٢١} أي: تتركون عمل ما فيه نجاتكم في الآخرة، وتتركون الاهتمام بها {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ٢٢} نَضِرَة بالحسن والجمال، وهي من نظرة النعيم {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٢٣} وفي هذا تقديم المعمول للاختصاص، أي: لا ينظر إلى غيره ومعنى ذلك أنها ناظرة إلى ما وعدها الله من النعيم ومنتظره لثوابه وقد بشرت بالنعيم، ودخول الجنة، فهم ينتظرون ذلك ووجوهم نظرة وينظرون إلى أشياء كثيرة مما تتضمنه ذلك اليوم من الأمور وهي آمنة {لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ٦٢}⁣[يونس] ومعنى الاختصاص أنهم لا يرجون من أحد أي نفاعة إلا من الله، ولذا قدم المعمول وهو إلى ربها.

  {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ ٢٤} جوه باسرة معنى الباسر شديد العبوس، حينما منعت من رحمة الله، فهي عابسة كما قال تعالى: {تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ٤١}⁣[عبس] خائفة قد دفعت ومنعت من رحمة الله تعالى: {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ٢٥} ومعنى الظن هنا هو العلم واليقين، وكثير ما يعبر بالظن عن العلم في القرآن مثل قوله: {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} أي: علموا، والفاقرة الداهية - نعوذ بالله تعالى - قد علموا أنها تنزل بهم الفواقر، القاطع وهو العذاب في النار العذاب المتنوع يقال: فقر الظهر بمعنى قطعه.

  {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ٢٦ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ٢٧} ردع وزجر عن اتباع الدنيا أي: انتبهوا وتذكروا ما يحصل لكم من الموت، حتى إذا بلغت الروح التراقي وهو أعلى