تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (المدثر)

صفحة 117 - الجزء 1

  آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا هو من كلام الجن، إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وأن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو وما يعلى عليه. فقالت قريش: صبأ والله الوليد والله لتصبأن قريش، كلهم، فقال أبو جهل: أنا أكفيكموه، فقعد إليه حزيناً وكلمه بما أحماه فقام فأتاهم فقال: تزعمون أن محمداً مجنون فهل رأيتموه يخنق فتقولون: إنه كاهن فهل رأيتموه قط، يتكهن وتزعمون أنه شاعر، فهل رأيتموه يتعاطى شعراً قط، وتزعمون أنه كذاب، فهل جربتم عليه شيئاً من الكذب، فقالوا: في كل ذلك اللهم لا، ثم قالوا: فما هو؟ ففكر فقال: ما هو إلا ساحر، أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه، وما الذي يقوله إلا سحر يؤثره عن مسيلمة وعن أهل بابل فارتج النادي فرحاً، وتفرقوا معجبين بقوله متعجبين منه، ثم نظر في وجوه الناس ثم قطب وجهه، ثم زحف مدبراً وتشاوس مستكبراً لما خطرت بباله الكلمة الشنعاء. تمت.

  وقيل: قدر ما يقوله ثم نظر فيه، ثم عبس لما ضاقت عليه الحيل ولما يدر ما يقول، وقيل: قطب في وجه رسول الله ÷، ثم أدبر عن الحق واستكبر عنه فقال ما قال {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ٢٦ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ ٢٧} سأدخله سقر وهي من أسماء جهنم، وما أدراك تعظيم وتهويل إنها {لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ ٢٨} أي: لا تبقي عليه بل تعطيه عذابها {وَلَا تَذَرُ ٢٨} لا تترك أحداً، لا تبقي على شيء ولا تدعه من الهلاك {لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ ٢٩} أي أخذ من لوح الهجير والبشر أعالي الجلود، وقيل: يلوح للناس ليروه عين اليقين {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ٣٠} أي: يلي أمرها ويتسلط على أهلها تسعة عشر ملكا، قيل: أصنافا وقيل: صفوفاً، وقيل: نقباً، وقيل: تسعة عشر ألفاً، ولما سمعوا هذه قال قائل منهم: أيعجز كل واحد أن يبطش برجل منهم، الجمحمي وكان شديد البطش، أنا أكفيكم سبعة عشر فاكفوا لي أنتم اثنين فنزل: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً} أي لم نجعل رجالاً من جنسكم {وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا} أي: ليفتتن من لا يؤمن بالله ويستهزء، والفتنة اختبار