تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (المدثر)

صفحة 118 - الجزء 1

  وبلوي {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} وهم (الذين آمنوا من أهل الكتاب)، لأن عدتهم موجودة في الكتابين {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} أي: يقيناً لأن تصديقهم لهذا يزداد إيمانهم {وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ} أي: ولا يحصل ريب أو شك بعد هذا، حينما يكون هذا مطابقاً لما في التوراة والإنجيل.

  {وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا} أي: شيء أراد الله بهذا العدد العجيب، وأي غرض قصد في أن جعل الملائكة تسعة عشر لا عشرين، ومرادهم الإنكار وأنه ليس من عند الله، لأنه لو كان من عند الله لما جاء بهذا العدد الناقص، {كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} أي: بذلك يضل الكافرين ويهدي المؤمنين، وإضلال الله للكافرين هو الخذلان وعدم التوفيق بسبب أعمالهم الفاسدة، أي: لا يهديهم بالتوفيق وهو الخذلان، ويهدي من شاء تنوير البصائر لإيمانهم وتصديقهم {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} أي: عددهم وصفاتهم إلا هو، ولا سبيل لأحد أن يعرف ذلك، {وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ٣١} أي: ذكر النار، وصفها للتذكر لمن عقل ذكر الله وآمن به.

  {كَلَّا وَالْقَمَرِ ٣٢ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ٣٣ وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ ٣٤} كلا ردع لمن ينكر، أو كلا إنهم لا يتذكرون، أقسم الله بالقمر وإدبار الليل وبالصبح وإسفاره {إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ ٣٥} هذا جواب القسم إنها لإحدى عظائم ما فعلنا وجليل ما أحدثناه مما جعلناه عبرة وهي {نَذِيرًا لِلْبَشَرِ ٣٦} أي: الناس جميعاً وكفى بها نذيراً {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ٣٧} والمراد بالتقدم السبق إلى الخير والتأخر التخلف عنه، قيل: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ٣٨} والمعنى كل نفس رهن بكسبها عند الله غير مفكوك {إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ ٣٩} فإنهم فكوا أنفسهم بما أطابوه من كسبهم {فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ ٤٠} يسأل بعظهم بعضاً أو سئل غيرهم عنهم أو يتساءلون عن المجرمين بقوله: {عَنِ الْمُجْرِمِينَ ٤١ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ٤٢} جوابهم: {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ٤٣ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ٤٤} لم يصلوا ولم يزكوا وكانوا مكذبين {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ ٤٦ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ ٤٧} أي: الموت ومقدماته.