تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (المزمل)

صفحة 121 - الجزء 1

  وإنما وقع التخيير في المقدار {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ٤} أي: على ترتيل، وتوئده بتبيين الحروف وإشباع الحركات ترتيلاً توكيداً لوجوب الترتيل {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ٥} هو القرآن ووصف ذلك بالتعلي لما فيه من الأوامر والنواهي، التي هي تكاليف ثقيلة وخاصة على رسول الله ÷ لأنه متحملها بنفسه ومحملها أمته ومشقة التكاليف ظاهرة، وقيل ثقيل على المنافقين، وقيل: كلام له وزن ورجحان ليس بالسفساف {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} أي: قيام الليل، والناشئة، قيل النفس الناشئة بالليل التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة، أي: تنهض وترتفع، يقال نشأ من مكانه ونشر، إذا نهض أي: ارتفع، أو العبادة التي تنشأ في الليل، أي: تحدث وترتفع، وقيل هي ساعات الليل (أشد وطئاً) أي: مواطأة القلب اللسان، أو أشد موافقة لما يراد من الخشوع والإخلاص وأشد تمكنا {وَأَقْوَمُ قِيلًا ٦} أي: وأشد مقالاً وأثبت قراءة لهدوء الأصوات، {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا ٧} تصرفاً وتقلباً في مهماتك وشواغلك، ولا تفرغ إلا في الليل فعليك بمناجاة الله فيه، وقيل: سبحاً أي: فراغاً كبيراً ووقتاً يصلح لما تريد {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا ٨} ودم على ذكره في ليلك ونهارك، والذكر يتناول كل ذكر من تسبيح، وتهليل، وتكبير، وتوحيد، وصلاة، وقراءة، وتبتل أي: إنقطع إليه انقطاعاً، أي تبتل تبتلا {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} مثل كما نقول: «والله لا أحد في الدار إلا زيد» أي: لا إله غيره ولا رب سواه وأنه الواحد الذي ليس كمثله شيء {فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا ٩} أي: كافيا وكفيلا بما وعدك الله من النصر، لأن الوكيل هو الكافي أي أجعله لك كافياً وكفيلا⁣(⁣١).

  {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ١٠} اصبر تحمل ولا تجزع، وأثبت عند الأذى على ما يقولون أي يفترون ويكذبون والهجر الجميل اعتزلهم اعتزالاً حسناً وجانبهم بقلبك وهواك، وخالفهم مع حسن المخالفة والمداراة كقوله {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ١٩٩}⁣[الأعراف]، وقيل: منسوخة بآية السيف {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ


(١) تبتلاً بدل تبتيلاً لأن مصدر تبتل تبتلاً، ولكنه مثل سلم تسليماً أو سلم تسلماً.