تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (المزمل)

صفحة 123 - الجزء 1

  تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} أي: أن الله يعلم أنك تقوم أقل الثلث، وأقل من النصف وأقل من الثلثين وهو مطابق للتخيير من النصف وهو أدنى من الثلثين، والثلث أدنى من النصف، والربع أدنى من الثلث {وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ} ولا يقدر على تقدير الليل والنهار، ومعرفة مقاديرهما إلا الله وحده، وهذا ظاهر في التهجد.

  أما في المصابيح فحمل ذلك على أداء الفرائض وقال: فعلم سبحانه أنهم كلهم لن يقدروا على آداء الفرائض في وقت واحد، مع ما هم فيه من العلات التي ذكرنا فمنهم عليل، ومنهم مسافر، ومنهم خائف، ومنهم آمن، لا يصلي أول الليل وطالب الماء يصلي إذا وجد الماء في أي أجزاء الليل، والخائف يصلي عند انقضاء خوفه والمريض في وقت إفاقته في أي وقت من الليل {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ} أي: على إحصاء وقت واحد والثبوت عليه لكثرة الأسباب التي ذكرنا، انتهى.

  {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} وهذا عباره عن الترخيص في ترك القيام، المقدر فتاب عليكم وعفى عنكم {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} قال في الكشاف: عبر بالصلاة عن القراءة لأنها بعض أركانها كما عبر عنها بالقيام والركوع والسجود يريد فصلوا ما تيسر عليكم ولم يتعذر، وهذا ناسخ للأول ثم نسخا جميعاً بالصلوات الخمس أي بقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} أي: أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله يريد سائر الصدقات، أو أدوا الزكاة على أحسن وجه من إخراج أطيب المال ومراعاة النية، وابتغاء وجه الله أو يريد كل شيء يفعل من الخير أفاد هذا. في الكشاف، أما في المصابيح: فجعل القيام في الليل الذي في أول الصورة وآخرها هي الفرائض وقال أيضا: إن آخر الصورة مرتبط بأولها، والمعنى {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ١ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ٢ نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ٣}، {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} ثم قال: جعل ما جعل من الرخصة في هذه الأوقات