تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (الجن)

صفحة 127 - الجزء 1

  وقيل: أرادوا الفاسدين والطرائق أي: مذاهب مفترقة مختلفة، أو كنا مختلفين في المعرفة بالله والطاعة فمنهم التقي، ومنهم المنافق الرديء، ومنهم الكافر الغوي {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا ١٢} أي: لن نعجزه في الأرض أين ما كنا ولن نعجزه هاربين منها إلى السماء، وقيل: لن نعجزه في الأرض إن أراد بنا أمراً، والظن هنا بمعنى العلم، وأنا قد علمنا فهذه صفة الجن وأحوالهم، وما هم عليه وعقائدهم، ومنهم أخيار وأشرار {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا ١٣} وأنا لما سمعنا الهدى وهو القرآن، والهدى من أسماء القرآن آمنا به وصدقناه وما جاء فيه، وبه، و {مَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ} أي: يوحده ويصدق بقوله ووعده، ووعيده {فَلَا يَخَافُ بَخْسًا} أي: نقصاً في ثوابه وجزائه، و {لَا رَهَقًا} أي: عذاباً وقيل لا بخسا لأنه لم يبخس أحد ولا رهقاً أي ظلماً، لأنه لم يظلم أحداً {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا ١٤} فأخبر مؤمن الجن أن منهم المسلمون بدينهم، ومنهم القاسطون العادلون عن الطريقة، لأنه يستعمل للقاسط أي: الخارج عن الطريقة، ويستعمل للعدل وهو من قسط وأقسط، وكما قال سعيد بن جبير للحجاج حين قال له: ما تقوله في قال: قاسط عادل فأستحسنه من سمعه ولكن الحجاج عرف مراده وأنه أراد قاسط ظالم، وعادل خارج عن الحق، {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا ١٥} أي: صاروا من أهل النار وقوداً لجهنم قال تعالى {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}⁣[البقرة: ٢٤]، {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ١٦} أي: لو أستقاموا على الطريقة المثلى والمقصود، الجن، أو الإنس، والخطاب لهم جميعاً، والطريقة طاعة الله ولم يستكبروا عن السجود لأسقيناهم ماءً غدقاً، أي: غزيراً كثيراً {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ}، أي نختبرهم فيه كيف يشكرون على ما خولوا من نعم، ويجوز أن يراد لو استقاموا على ما كانوا عليه من الكفر لأسقيناهم، لنفتنهم لتكون النعمة سبباً لكفرهم، وسبباً لتعذبهم {وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا ١٧} ومن يعرض عن ذكر ربه أي: يتركه ندخله في العذاب