تفسير سورة (نوح)
  لئلا يسمعوا، وجعلوا ثيابهم فوق رؤوسهم وآذانهم لئلا يبصروا، وكراهة النظر إلى وجه من ينصحهم في دين الله، وقيل: لئلا يعرفهم {وَأَصَرُّوا} أي: أقاموا على المعصية والتكذيب، وأخذتهم العزة عن إتباعه وطاعته، {اسْتَكْبَرُوا} تأكيد لفرط عتوهم الله {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ٨} أي: سراً وعلناً مجاهرة ظاهرة.
  {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ٩}: أي: أخبرتهم علناً وأخبرتهم سراً بما ينزل عليهم من العذاب إن استمروا على العصيان، وأكدت الحجة عليهم بكل معنى، وكل طريقة {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ١٠} أمرهم بالاستغفار، أي: توبوا وارجعوا إلى الله، وقدم لهم ما هو أحب إليهم من المنافع الحاضرة والفوائد العاجلة، ترغيبا في الإيمان، وهو {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ١١ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ١٢}، قيل: إنه لما كذبوه بعد تكرير الدعوة حبس الله عنهم القطر، وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة، فوعدهم أنهم إن آمنوا رزقهم الخصب، ودفع عنهم ما كانوا فيه وإرسال السماء لأن المطر ينزل منها، إلى السحاب وقد يطلق السماء على المطر كقوله:
  إذا نزل السماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا
  المدرار: الكثير الدرور {وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ} بساتين وأنهاراً، وقيل: يرسل السماء على حذف مضاف، أي: ماء السماء {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ١٣} أي: لا تأملون لم تقدروا له توقيراً، أي تعظيماً وإعزازاً وإكباراً يريد #، مالكم لا توقرون الله وتعظمونه {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ١٤} حالات مختلفة وتارات متعددة، من تراب ثم من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة، ثم عظاماً ولحماً، ثم أنشأكم خلقا آخر ولا تخافون الله ثم احتج عليهم بقوله: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ١٥ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ١٦} خلق الله سبع سماوات طباقاً، أي: طبقة فوق طبقة، وجعل القمر فيهن أي في سماء الدنيا وقال، فيهن وإن لم يكن في جميعهن لأن بينهن ملابسة، وكما يقال في المدينة كذا، وهو في