تفسير سورة (نوح)
  بعض نواحيها، وجعل القمر نوراً: أي نوراً فقط لا حرارة فيه، {وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ١٦} والسراج قد يكون فيه حرارة، قيل: إن الشمس والقمر وجوههما مما يلي السماء وظهورهما مما يلي الأرض وهما نور وسراج للكل أي: فيهما انتهى.
  {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ١٧} استعير الإنبات بالإنشاء، كما يقال: زرعك الله للخير، وهذه الاستعاره دال على الحدوث، لأنهم إذا كانوا نباتاً فهو أدل على الحدوث والمعنى أنبتكم فنبتم نباتاً والتوكيد فيه واضح {ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا ١٨} أي والله سيخرجكم بعد موتكم، أي يحيكم بعد الموت والفناء: والبلى، والتوكيد للمصدر واضح {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا ١٩} أي سواها و بسطها لتنتفروا فيها لحوائجكم وليكون مفترشاً ومأوى {لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا ٢٠} أي طرقاً واسعة، وقيل: الفجاج الجوانب {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا ٢١} أي: خالفوا وعاندوا واتبعوا رؤساءهم، أصحاب الأموال والأولاد، وليس لهم في إتباعهم إلا خسارة في الآخرة، وأجرى ذلك مجرى الصفة لازمة لهم وسمة يعرفون بها {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا ٢٢} أي مكراً عظيماً موصوفاً بالكبر، والماكرون هم الرؤساء ومكراً كباراً، أي: أكبر من الكبير ومكرهم احتيالهم في الدين وكيدهم لنوح وتحريش الناس على أذاهم {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا} هذه الأسماء لأصنام لهم وهي أكبر أصنامهم وأعظمها، كانوا يعبدونها من دون الله، فقد انتقلت هذه عن قوم نوح إلى العرب، فأما سواعاً ويغوث ويعوق ونسراً فكانت في اليمن، وأما ود فكان بدومة الجندل، وسواع بجوف همدان، وأما يعوق: فكان بخيوان، وأما يغوث: فكان بحمير، وأما نسر: فكان في مراد مذحج، وكان قوم نوح يجلونها ويعظمونها وإن لم تكن عندهم وتآمروا أن لا يخلوا عنها، وخالفوا نوحاً #، وقيل كانت أسماء رجال صالحين من ولد آدم، فصور الأصنام بصورهم بتزيين إبليس، وقيل: كان وداً، على صورة رجل، وسواعاً على صورة