تفسير سورة (العلق)
  الله تعالى نقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ونبه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة، التي لا يحيط بها إلا هو، وما دونت العلوم ولا قيدت الحكم، ولا ضبط أخبار الماضين، ولا مقالتهم ولا الكتب المنزلة، إلا بالكتابة ولولا هي لما استقامت أمور الدين والدنيا، وبها ضبطت الممالك في البيع والشراء وسائر المعاملات، وقال تعالى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}[البقرة: ٢٨٢] ولا شك أن الفائدة في الكتابة ظاهرة، ولا استقامة لأمور الدين والدنيا إلا بالكتابه، وكما قد علّم الله رسوله ÷، من شرائعه ودينه ولم يكتب بقلم قال تعالى لنبيه: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} وقال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ٤٨} وقوله تعالى: {كَلَّا}(١) فهي بمعنى حقاً أو نعم {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ٦ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ٧} أي: رأى نفسه، لأن الغنى بكثرة الأموال، ونحوها يحمل الإنسان بمعنى يسببه على أن يطغى إذا لم يكن عاقلاً متفهماً، ويعرف أنَّ ما أعطاه الله نعمة وفضل يلزم شكرها، وهي عن قليل زائلة أو هو يزول قبلها {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ} يتأمل ويفكر في قوله: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ٨} أي: إليه الرجوع والمعاد، وذلك واقع على طريقة التهديد والتحذير من عاقبة الطغيان، {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى ٩ عَبْدًا إِذَا صَلَّى ١٠} يعني: كأنه قال: أخبرني عن الذي ينهى بعض عباد الله عن صلاته إن كان ذلك الناهي على طريقة سديدة فيما ينهى عن عبادة الله، فكان الجواب قوله: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ١٤} ويطلع عليه وعلى أحواله، فإنه لا بد أن يجازي على عمله من هدى أو ضلالة، وهذا جواب للجمل المتتابعة وهي {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى ٩ عَبْدًا إِذَا صَلَّى ١٠ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى ١١ أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى ١٢ أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ١٣} فالجواب بقوله {أَلَا يَعْلَمُ} إلى آخره، وكل ذلك فيه من التوكيد ما لا يخفى. وروي أن أُمية خلف كان ينهى سلمان عن الصلاة، ورؤية الله هنا بمعنى العلم، وأن الله يعلم كل من كان يشغل رسول الله ÷ وينهاه عن الصلاة، وينهاه عن ما كان يأمر به من التقوى، فقال
(١) أو للردع لمن كفر بنعمة الله عليه بطغيانه لدلالة سياق الكلام عليه.