تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (والتين)

صفحة 47 - الجزء 1

  فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ٤} هذا جواب القسم {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ٤}، في أحسن تعبير لشكله وصورته، وتسوية أعضائه من توصيل وتفصيل وتقدير، فجعله الله مستوياً معتدلاً، ثم كان عاقبة أمره حين لم يشكر نعمته على تلك الخلقة القويمة.

  قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ٥} قال في الكشاف: بمعنى أقبح صورة وأشوه خلقة، وهم أصحاب النار، أو ثم رددناه بعد ذلك التقويم والتحسين أسفل من سفل، وحسن الصورة والشكل حيث نكسناه في خلقه، فقوس ظهره بعد اعتداله وأبيض شعره، بعد سواده، وتشين جلده وكان بضاً، وكلَّ سمعه وبصره، وكان حديداً وتغير كل شيء منه فمشيته دليف، وصوته خفات، وقوته ضعف، وشهامته خرف.

  {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ٦} أي: فأما الذين عملوا إلى آخرها فلهم أجرُ وعطايا كثيرة لا توجد إلا في عطايا الله، وعطاء غير ممنون، لا هناك منة، ولا غير ذلك مما تحصل في عطايا المخلوقين من المنة والامتنان، وإن لم ينطقوا بالمنة لأنه لم يعطه إلا من بعد تكلفة ومعاناة، وأيضاً فما يعطيه شيئاً إلا من عطايا الله تعالى، وكل ما ذكر فهو دليل على قدرة الله البالغة فما باله والتكذيب إذ يقوله تعالى: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ ٧ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ٨} وكل ما ذكر فهو دليل على الإعادة، فكيف يكذب بدار الجزاء من أيقن بما سبق من التفصيل في خلق الإنسان، ثم قال: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ٨} وهذا وعيد للكفار، وأن الله لا بد أن يحكم بحكمة العدل روي عن رسول الله ÷ أنه كان إذا قرأها يقول عند تمامها: «بلى وأنا على ذلك من الشاهدين» وبالله التوفيق.