تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (والليل)

صفحة 53 - الجزء 1

  {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ٧} أي: سنيسر له طرق الخير ونلطف به، ونوفقه للطاعة ويكون تيسره عليه، ويرغب في عمل ذلك كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ١٧}⁣[محمد].

  {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ٨ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ٩ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ١٠} هذه مقابلة عظيمة وهي من أنواع البديع، ويسمونها مقابلة كقوله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}⁣[الأعراف: ١٥٧] قابل الحل بالحرام، والطيب بالخبيث، وهنا قابل من أعطى واتقى، ببخل واستغنى، وقابل وصدق بالحسنى، كذب بالحسنى وسنيسره لليسرى، سنيسره للعسرى، وهذه بلاغة عظيمة، والمعنى من بخل بالعطا ومنع الحقوق الواجبة، {وَاسْتَغْنَى ٨} زهد فيما عند الله وأقبل على شهوات الدنيا، وكذب بالحسنى بما وعد الله وترك الواجبات، ولم يصدق بوعد الله ووعيده، فدخل في المعاصي وتهور فيها {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ١٠} سنتركه من الألطاف ونخذله بترك تيسير الطاعات فتكون الطاعة عليه ثقيلة، كما قال تعالى: {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}⁣[الأنعام: ١٢٥] وهذا بسبب أعماله الفاسدة. قال في الكشاف: أو أنه سمى طريق الخير باليسر، لأن عاقبته اليسر وطريق الشر العسر، لأن عاقبته العسر وأراد بهما طريق الجنة والنار، أي: فسنهديهما في الآخرة للطريقين منهم أهل الجنة ومنهم أهل النار: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ١١} أي: لا ينفعه ماله، ولو كان يملك ما في الأرض من ذهب وغيره {إِذَا تَرَدَّى ١١} أي: إذا هلك مات، أو إذا قبر، أو إذا تردى في نار جهنم {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ١٢} أي: إن الهداية بمنصب الدلائل وبيان الشرائع هي على الله وقد فعل جل وعلا: {وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى ١٣} أي: وأنه المالك للآخرة والأولى وهو المتصرف فيهما، وهي له تعالى وملكه، وسنعطي الثواب والجنة للمؤمنين، والخزي والوبال للعاصين، الفجار المعتدين.

  وبعد ذلك يقول: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى ١٤ لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى ١٥ الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ١٦} أخبر سبحانه بمن يستحق العقاب، وهو الذي تولى وكان من أهل الشقاوة