تفسير سورة (البلد)
  الاغترار والغفلة، فيحسب أن لن تقوم قيامة ولن يقدر أحد على الانتقام منه وعلى مكافأته بما هو عليه {أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا ٦} أي: بكثرة الإنفاق، فيما كان عليه الجاهلية ويسمونها مكارم ومعالي ومفاخرة واللبد الكثير المتراكم الوافر، الذي بعضه على بعض {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ ٧} يعتقد أن الله لم يكن مطلعاً على ما يفعل، وما كان ينفق للناس افتخاراً ورياءً {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ٨ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ٩} عينين يبصر بهما المرئيات ولساناً يترجم به ما يريد، وشفتين بطبقهما على فيه، ويستعين بهما على النطق، وعلى الأكل والشرب، وغير ذلك من غير الزينة التي بهما الجمال العظيم {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ١٠} أي: الطريق الخير وطريق الشر، وقيل: إن النجدين الثديان وهديناه أنعمنا عليه بالثديين، والله أعلم. {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ١١}: أي: لم يشكر تلك النعم، فيقابلها بالأعمال الصالحة، من فك الرقاب، وإطعام اليتامى والمساكين، والاقتحام هو الدخول في الشيء بشدة ومشقة، وجعل الأعمال الصالحة عَقَبَة وعملها اقتحاماً لها لما ذلك في الشدة على النفوس، ومعاناة ومشقة تحتاج إلى جهاد النفس، لأن النفس تأبى فعل الخير، ومع ذلك الشيطان العدو الأكبر الذي يباعد الإنسان على فعل الخير، وفك الرقبة عتقها وتخليصها من الرق والعتق والصدقة من أفاضل الأعمال وعن الحسن عقبة والله شديدة مجاهدة الإنسان نفسه، وهواه وعدوه الشيطان، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ١٢} وهذا اعتراض أي لم تدرك صعوبتها على النفس، وقدر ثوابها عند الله وهي ما فسرها الله به، وذلك {فَكُّ رَقَبَةٍ ١٣ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ١٤} إطعام ذي مسغبة والسغب الجوع، أي: ذي جوع شديد، {يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ١٥ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ١٦} اليتيم القريب في النسب، التصدق عليه صلة وصدقة، كما روي، والمسكين الذي قد لصق بدنه بالتراب، في قوله: {ذَا مَتْرَبَةٍ ١٦} ومعناه في يوم أي في يوم من الأيام {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ١٧} جاء بثم لفضل الإيمان، وأنه يعدل كل شيء ولا قربة مقبولة إلا بالإيمان، كذا قيل والتواصي بالصبر هو الاجتماع على فعل خير، أو أي