تفسير سورة (الفجر)
  فيهلكهم، وإن كان المراد المدينة فلا إشكال أنها كانت عظيمة، لم يخلق مثلها، وقرئ «لَمْ يَخْلُقْ اللَّهُ مِثْلَهَا»، {وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ ٩} ثمود قوم صالح #، والواد بلد في بعض نواحي الحجاز معلوم معروف عندهم، ويقال: له وادي القرى وبلد ثمود موضع منه يسمى الحجر، قيل: نحتوها في أطراف الجبال وفيها بيوت منحوته موجودة يراها من وصل إليها، {جَابُوا الصَّخْرَ}، قطعوا صخر الجبال وأنحتوها بيوتاً، قيل: وثمود أول من نحت الجبال والصخور، والرخام وقيل: بنوا ألفًا وسبعمائة مدينه كلها من الحجارة {وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ ١٠} الأوتاد الأبنية التي بناها فرعون بأرض مصر، وهي باقية إلى اليوم قد بنيت بالصخور العظام الكبار، وهي التي يقال لها الأهرام، وهي عالية كبيرة إذا رآها الناظر من بعد يحسب أنها جبال، وقد شاهدتها وفيها بناءً عظيمة مرصوصة بالحجارة رصاً عجيباً، وهي عريضة من أسفلها دقيقة أعلاها، وهي من أعظم آثار فرعون، ثم وصف الله عاد وفرعون وثمود، بقوله: {الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ١١ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ١٢} أخبر الله أنهم كانوا مفسدين فساداً بالغاً، فلما كثر فسادهم وطغيانهم {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ١٣} والكلام يفيد بلفظ الصب والسوط هو شدة الأخذ وسرعته {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ١٤} المرصاد المكان الذي يترتب فيه المرصد، وهذا مثل أن الكفار لا يفوتون وأنهم بالمرصاد، وأن العذاب نازل بهم قطعاً، كما إذا قلت فلان بالمرصاد بمعنى في المكان الذي لا يفوت كأنه محبوس مقبوض، {الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ١٥} هذا الإنسان المطلوب منه الطاعة والمعرفة لربه، ويفكر بعقله، فهو إذا وسع الله عليه رزقه يقول: إن ذلك اكرام له لفضله ولا يتأمل، أن الله قال {إِذَا مَا ابْتَلَاهُ} وأن توسعة الرزق هو ابتلاء واختبار هل يشكر ويعرف المقصود من توسعة الأرزاق، فلما لم يعرف هذا وغره، أمله وما هو فيه من توسعة الرزق يغفل ويطغه كقوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ٦ أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ٧}[العلق] فلو تأمل وعرف واستعمل عقله لشكر الله على ذلك، وعرف أن ابتلاءه اختبار ليشكر