تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (الفجر)

صفحة 63 - الجزء 1

  أو يكفر {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ١٦} وهكذا المبتلى بالفقر وضيق الحال، إنما ذلك ابتلاء واختبار، هل يصبر ويعرف أن الخير له فيما قدره الله له، لا بل يقول إن ذلك إهانة، ولو عرف أن الله بتدبير حكمته وعلمه أنه لا يصلح لهذا إلا التقسيط وعدم سعته، ويعرف أن هذا في صالحه، وأن الله يعد له العوض ويقربه إليه، لأن الفقر أصلح لابن آدم، ولهذا جعل الله الأنبياء فقراء إليه، قال موسى: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ٢٤}، ومع الصبر فالفرج يعقبه في كل شيء، ثم قال: {كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ١٧ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ١٨} هذه هي صفة كثير من الناس لا يحبون فعل الخير، وفي الكلام إرشاد وترغيب لإكرام اليتيم، والحث على طعام المساكين، لأنها صفة محمودة وضدها صفة مذمومة وقد تكون فيه إشارة، أن عدم إكرام اليتيم إلى آخره مسبب في تقتير الرزق، لأن الصدقة مخلوفة بالأضعاف كما ورد، ثم قال تعالى: {وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا ١٩ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ٢٠} تأكلون التراث هي الإرث، نهاهم الله عن أكل أموال الأيتام والأكل اللم، أي: الأكل السريع، وقيل: الجمع بين الحلال والحرام، {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ٢٠}، أي: الكثير المتصل الوافر الذي لا ينقطع مع الحرص والشره، ومنع الحقوق {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ٢١} كلا ردع وزجر عن هذه الأوصاف والأخلاق السيئة، وإنكار لفعلهم، فأتى بالوعيد بعد ذلك إذا دكت، أي تدك دكاً متكررا متتابعاً حتى تعود هباء منبثاً، هناك يحصل الندم والحسرة {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ٢٢} ومجيء الله هو تمثيل لظهور، آياته واقتداره وتبيين آثار قهره ومجيء أمره ونقمته، كما يقال: جاء الملك إذا جاءت جنوده وقواته فإذا أعظم الأمر يوم القيامة وكل ما هناك من الآيات العظام حسن أن يقال: جاء ربك وقيل: جاء أمره وهو قريب من الكلام المذكور، {وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ٢٢} قيل ينزل ملائكته كل سماء فيصطفون صفاً بعد صف، محدقين بالجن والإنس يوم عظيم فيه هول شديد {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} كقوله تعالى: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ}⁣[الشعراء: ٩١] روي عن رسول